تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٦٣
لا يصل إلى أدنى حقائق أسرار القرآن الكريم إلا المطهرون من أرجاس الشهوات وأنجاس المخالفات.
وإذا كانت هذه الجملة صفة للكتاب المكنون المراد منه اللوح المحفوظ وأريد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام، وكان المعنى لا يطلع عليه إلا الملائكة عليهم السلام كان في ذلك رد على من يزعم أن الأولياء يرون اللوح المحفوظ ويطلعون على ما فيه، وحمل المطهرين على ما يعم الملائكة والأولياء الذين طهرت نفوسهم وقدست ذواتهم حتى التحقوا بالملائكة عليهم السلام لا ينفع في البحث مع أهل الشرع فإن مدار استدلالاتهم على الأحكام الشرعية الظواهر على أنه لم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو هو أنه نظر يوما وهو بين أصحابه إلى اللوح المحفوظ واطلع على شيء مما فيه، وقال لهم: إني رأيت اللوح المحفوظ واطلعت على كذا وكذا فيه، وكذلك لم يسمع عن أجلة أصحابه الخلفاء الراشدين أنه وقع لهم ذلك، وقد وقعت بينهم مسائل اختلفوا فيها وطال نزاعهم في تحقيقها إلى أن كاد يغم هلال الحق فيها ولم يراجع أحد منهم لكشفها اللوح المحفوظ.
وذكر بعض العلماء أن سدرة المنتهى ينتهي علم من تحتها إليها وأن اللوح فوقها بكثير، وبكل من ذلك نطقت الآثار، وهو يشعر بعدم اطلاع الأولياء على اللوح، ومع هذا كله من ادعى وقوع الاطلاع فعليه البيان وأنى به، وهذا الذي سمعت مبني على ما نطقت به الأخبار في صفة اللوح المحفوظ وأنه جسم كتب فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وأما إذا قيل فيه غير ذلك انجر البحث إلى وراء ما سمعت، واتسعت الدائرة.
ومن ذلك قولهم: إن الألواح أربعة، لوح القضاء السابق على المحو والإثبات وهو لوح العقل الأول، ولوح القدر أي لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول وهو المسمى باللوح المحفوظ، ولوح النفس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم شكله وهيئته ومقداره - وهو المسمى بالسماء الدنيا - وهو بمثابة خيال العالم كما أن الأول بمثابة روحه، والثاني بمثابة قلبه، ولوح الهيولى القابل للصورة في عالم الشهادة ويقولون أيضا ما يقولون وينشد المنتصر له قوله: وإذا لم تر الهلال فسلم * لأناس رأوه بالأبصار هذا ولا تظنن أن نفي رؤيتهم للوح المحفوظ نفي لكراماتهم الكشفية وإلهاماتهم الغيبية معاذ الله تعالى من ذلك، وطرق اطلاع الله تعالى من شاء من أوليائه على من شاء من علمه غير منحصر بإراءته اللوح المحفوظ ثم إن الإمكان مما لا نزاع فيه وليس الكلام إلا في الوقوع، وورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجلة أصحابه كالصديق. والفاروق. وذي النورين. وباب مدينة العلم. والنقطة التي تحت الباء رضي الله تعالى عنهم أجمعين، والله تعالى أعلم.
وقالوا في قوله تعالى: * (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) * (الواقعة: 85) ما بنوه على القول بوحدة الوجود والكلام فيها شائع - وقد أشرنا إليه في هذا الكتاب غير مرة - ولهم في اليقين. وعين اليقين. وحق اليقين عبارات شتى، منها اليقين رؤية العيان بقوة الإيمان لا بالحجة والبرهان، وقيل: مشاهدة الغيوب بصفاء القلوب وملاحظة الاسرار بمحافظة الأفكار، وقيل: طمأنينة القلب على حقيقة الشيء من يقن الماء في الحوض إذا استقر، وحق اليقين فناء العبد في الحق والبقاء به علما وشهودا وحالا لا علما فقط فعلم كل عاقل الموت علم اليقين فإذا عاين الملائكة فهو عين اليقين، وإذا ذاق الموت فهو حق اليقين، وقيل: علم اليقين ظاهر الشريعة، وعين اليقين الإخلاص فيها، وحق اليقين المشاهدة فيها، * (وقيل: وقيل:) * ونحن نسأل الله تعالى الهداية إلى أقوم سبيل، وأن يشرح صدورنا بأنوار علوم كتابه الكريم الجليل. وهو سبحانه حسبنا في الدارين ونعم الوكيل.
سورة الحديد
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»