تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٥٦
لا يتصلب فيه، وعن ابن عباس. والزجاج * (مدهنون) * أي مكذبون، وتفسيره بذلك لأن التكذيب من فروع التهاون.
وعن مجاهد أي منافقون في التصديق به تقولون للمؤمنين آمنا به وإذا خلوتم إلى إخوانكم قلتم إنا معكم والخطاب عليه للمنافقين وما قدمناه أولى، والخطاب عليه للكفار كما يقتضيه السياق.
وجوز أن يراد بهذا الحديث ما تحدثوا به من قبل في قوله سبحانه: * (وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون) * (الواقعة: 47، 48) فالكلام عود إلى ذلك بعد رده كأنه قيل: أفبهذا الحديث الذي تتحدثون به في إنكار البعث أنتم مدهنون أصحابكم أي تعلمون خلافه وتقولونه مداهنة أم أنتم به جاذمون وعلى الإصرار عليه عازمون، ولا يخفى بعده، وفيه مخالفة لسبب النزول وستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى:
* (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) *.
* (وتجعلون رزقكم) * شكركم * (أنكم تكذبون) * تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا، أخرج ذلك الإمام أحمد. والترمذي وحسنه. والضياء في " المختارة ". وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو إما إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى أن في الكلام مضافا مقدرا أي شكر رزقكم أو إشارة إلى أن الرزق مجاز عن لازمه وهو الشكر، وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة ازدشنوءة ما رزق فلان فلانا بمعنى شكره، ونقل عن الكرماني أنه نقل في " شرح البخاري " أن الرزق من أسماء الشكر واستبعد ذلك ولعله هو ما حكاه الهيثم، وفي " البحر " وغيره أن عليا كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس قرءا - شكركم - بدل * (رزقكم) * وحمله بعض شراح البخاري على التفسير من غير قصد للتلاوة وهو خلاف الظاهر، وقد أخرج ابن مردويه عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قرأ علي كرم الله تعالى وجهه * (الواقعة) * في الفجر فقال: * (وتجعلون - شكركم - أنكم تكذبون) * فلما انصرف قال: إني قد عرفت أنه سيقول قائل لم قرأها هكذا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كذلك كانوا إذا أمطروا قالوا: أمطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله تعالى - وتجعلون - شكركم أنكم إذا مطرتم تكذبون - ومعنى جعل شكرهم التكذيب جعل التكذيب مكان الشكر فكأنه عينه عندهم فهو من باب: تحية بينهم ضرب وجيع ومنه قول الراجز: وكان شكر القوم عند المنن * (كي الصحيحات وفقء الأعين) وأكثر الروايات أن قوله تعالى: * (وتجعلون) * الخ نزل في القائلين: مطرنا بنوء كذا من غير تعرض لما قبل.
وأخرج مسلم. وابن المنذر. وابن مردويه عن ابن عباس قال: " مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * حتى بلغ * (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * (الواقعة: 75 - 82).
وأخرج نحوه ابن عساكر في تاريخه عن عائشة رضي الله تعالى عنها وكان ذلك على ما أخرج ابن أبي حاتم عن أبي عروة رضي الله تعالى عنه في غزوة تبوك نزلوا الحجر فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يحملوا من مائه شيئا ثم ارتحلوا ونزلوا منزلا آخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه الصلاة والسلام فصلى ركعتين ثم دعا فأمطروا وسقوا فقال رجل من الأنصار يتهم بالنفاق: إنما مطرنا بنوء كذا فنزل ما نزل، ولعل جمعا من الكفار قالوا نحو ذلك أيضا بل هم لم يزالوا يقولون ذلك، والأخبار متضافرة على أن الآية في القائلين بالأنواء، بل قال ابن عطية: أجمع المفسرون على أنها توبيخ لأولئك، وظاهر مقابلة الشكر بالكفر في الحديث السابق أن المراد بالكفر كفران النعمة إذا أضيفت لغير موجدها جل جلاله؛
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»