وقد صح ذكره مع الإيمان، أخرج البخاري. ومسلم. وأبو داود. والنسائي. وغيرهم عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما سلم أقبل علينا فقال: هل تدرون ما قال ربكم في هذه الليلة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم فقال: قال: ما أنعمت على عبادي نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك الذي آمن بالكوكب وكفر بي " والآية على القول بنزولها في قائلين ذلك ظاهرة في كفرهم المقابل للإيمان فكأنهم كانوا يقولونه عن اعتقاد أن الكواكب مؤثرة حقيقة موجدة للمطر وهو كفر بلا ريب بخلاف قوله مع اعتقاد أنه من فضل الله تعالى، والنوء ميقات وعلامة له فإنه ليس بكفر، وقيل: تسميته كفرا لأنه يفضي إليه إذا اعتقد أنه مؤثر حقيقة.
هذا وقيل: معنى الآية - وتجعلون شكركم - لنعمة القرآن - أنكم تكذبون - به، ويشير إلى ذلك ما رواه قتادة عن الحسن بئس ما أخذ القوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله تعالى إلا التكذيب.
وفي " الإرشاد " أنه الأوفق لسياق النظم الكريم وسباقه، وأقول ما قدمناه تفسير مأثور نطقت به السنة المقبولة، وذهب إليه الجمهور وليس فيه ما يأبى إرادة معنى مطابق لسبب النزول وموافق لسياق النظم الكريم وسباقه، وذلك بأن يقال: إنه عز وجل بعد أن وصف القرآن بما دل على جلالة شأنه وعزة مكانه وأشعر باشتماله على ما فيه تزكية النفوس وتحليتها بما يوجب كمالها من العقائد الحقة ونحوها حيث قال سبحانه: * (تنزيل من رب العالمين) * (الواقعة: 80) فعبر جل وعلا عن ذاته سبحانه بلفظ الرب الدال على التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا.
وقد يستفاد ذلك من وصفه بكريم بناءا على أن المراد به نفاع جم المنافع فإنه لا منفعة أجل مما ذكر وكان قد ذكر عز وجل غير بعيد ما يدل على أنه تعالى هو المنزل لماء المطر لا غيره سبحانه استقلالا ولا اشتراكا قال عز قائلا: أفبهذا القرآن الجليل الشأن المشتمل على العقائد الحقة المرشد إلى ما فيه نفعكم أنتم متهاونون فلا تشكرون الله تعالى عليه وتجعلون بدل شكركم أنكم تكذبون به، ومن ذلك أنكم تقولون إذا مطرتم مطرنا بنوء كذا وكذا فتسندون إنزال المطر إلى الكواكب وقد أرشدكم غير مرة إلى ما يأبى ذلك من العقائد وهداكم إلى أنه تعالى هو المنزل للمطر لا الكواكب ولا غيرها أصلا - فما جاء من تفسير تكذبون بتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ليس المراد منه إلا بيان نوع اقتضاه الحال من التكذيب بالقرآن المنعوت بتلك النعوت الجليلة وكون ذلك على الوجه الذي يزعمه الكفار تكذيبا به مما لا ينتطح فيه كبشان، وهذا لا تمحل فيه، وقد يقال على تقدير أن يراد بالرزق المطر وكون * (تكذبون) * على معنى تكذبون بكونه - أي المطر - من الله تعالى حيث تنسبونه إلى الأنواء وإن لم أقف على التصريح به في أثر يعول عليه، المعنى أفبهذا القرآن الجليل المرشد إلى أن كل نعمة منه تعالى لا غير المصرح عن قريب بأنه المنزل للمطر وحده أنتم مدهنون أي تكذبون على ما سمعت عن ابن عباس. والزجاج ومن ذلك أنكم * (تجعلون) * موضع شكر ما يرزقكم من المطر وينزله لكم أنكم تكذبون بكونه من الله تعالى وتنسبونه إلى الأنواء، والتبكيت الآتي مبني على تكذيبهم بالقرآن المفهوم من * (تكذبون) * أو من قوله سبحانه: * (أنتم مدهنون) * لكن التكذيب به باعتبار التكذيب ببعض ما نطق به بما سبق وتوقف المراد بالآية على الخبر غير بدع في القرآن الكريم، وحال عطف * (تجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * (الواقعة: 82) على ما قبله لا يخفى على نبيه، فتأمل والله تعالى الموفق لفهم كتابه الكريم.