تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٥٤
على غير هذا القول من الأقوال، وقيل: الكتاب المكنون قلب المؤمن وهو كما ترى.
وقيل: المراد من كونه في كتاب مكنون كونه محفوظا من التغيير والتبديل ليس إلا كما قال تعالى: * (وإنا له لحافظون) * والمعول عليه ما تقدم، وجوز تعلق الجار بكريم كما يقال زيد كريم في نفسه، والمعنى إنه كريم في اللوح المحفوظ وإن لم يكن كريما عند الكفار، والوصفية أبلغ كما لا يخفى، وقوله تعالى:
* (لا يمسه إلا المطهرون) *.
* (لا يمسه إلا المطهرون) * إما صفة بعد صفة لكتاب مرادا به اللوح، فالمراد بالمطهرون الملائكة عليهم السلام أي المطهرون المنزهون عن كدر الطبيعة ودنس الحظوظ النفسية، وقيل: عن كدر الأجسام ودنس الهيولى والطهارة عليهما طهارة معنوية، ونفى مسه كناية عن لازمه وهو نفي الاطلاع عليه وعلى ما فيه، وإما صفة أخرى لقرآن.
والمراد بالمطهرون المطهرون عن الحدث الأصغر والحدث الأكبر بحمل الطهارة على الشرعية، والمعنى لا ينبغي أن يمس القرآن إلا من هو على طهارة من الناس فالنفي هنا نظير ما في قوله تعالى: * (الزاني لا ينكح إلا زانية) * (النور: 3) وقوله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه " الحديث وهو بمعنى النهي بل أبلغ من النهي الصريح، وهذا أحد أوجه ذكروها للعدول عن جعل - لا - ناهية، وثانيها: أن المتبادر كون الجملة صفة والأصل فيها أن تكون خبرية ولا داعي لاعتبار الإنشائية وارتكاب التأويل، وثالثها: أن المتبادر من الضمة أنها إعراب فالحمل على غيره فيه إلباس، ورابعها: أن عبد الله قرأ ما يمسه وهي تؤيد أن لا نافية وكون المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام مروى من عدة طرق عن ابن عباس، وكذا أخرجه جماعة عن أنس. وقتادة. وابن جبير. ومجاهد. وأبي العالية. وغيرهم إلا أن في بعض الآثار عن بعض هؤلاء ما هو ظاهر في أن الضمير في * (لا يمسه) * مع كون المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام راجع إلى القرآن.
أخرج عبد بن حميد. وابن جرير عن قتادة أنه قال: في الآية ذاك عند رب العالمين لا يمسه إلا المطهرون من الملائكة فأما عندكم فيمسه المشرك والنجس، والمنافق الرجس، وأخرجاهما. وابن المنذر. والبيهقي في المعرفة عن الحبر قال: في الآية الكتاب المنزل في السماء لا يمسه إلا الملائكة، ويشير إليه ما أخرج ابن المنذر عن النعيمي قال: قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية * (لا يمسه إلا المطهرون) * أنها بمنزلة الآية التي في عبس * (كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة) * (عبس: 11 - 16) وكون المراد بهم المطهرين من الأحداث مروى عن محمد الباقر على آبائه وعليه السلام. وعطاء. وطاوس. وسالم.
وأخرج سعيد بن منصور. وابن أبي شيبة في " المصنف ". وابن المنذر. والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن زيد قال: كنا مع سلمان - يعني الفارسي - رضي الله تعالى عنه فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا فخرج إلينا فقلنا لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن؟ فقال: سلوني فإني لست أمسه إنما يمسه المطهرون ثم تلا * (لا يمسه إلا المطهرون) *، وقيل: الجملة صفة لقرآن، والمراد - بالمطهرون - المطهرون من الكفر، والمس مجاز عن الطلب كاللمس في قوله تعالى: * (أنا لمسنا السماء) * (الجن: 8) أي لا يطلبه إلا المطهرون من الكفر، ولم أر هذا مرويا عن أحد من السلف، والنفي عليه على ظاهره، ورجح جمع جعل الجملة وصفا للقرآن لأن الكلام مسوق لحرمته وتعظيمه لا لشأن الكتاب المكنون، وإن كان في تعظيمه تعظيمه. وصحح الإمام جعلها وصفا للكتاب - وفيه نظر - وعلى الوصفية للقرآن ذهب من ذهب إلى اختيار تفسير المطهرين بالمطهرين عن الحدث الأكبر والأصغر.
وفي " الأحكام " للجلال السيوطي استدل الشافعي بالآية على منع المحدث من مس المصحف وهو ظاهر في
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»