تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٥٠
المراد بالشجرة نفس النار كأنه قيل: نوعها أو جنسها فاستعير الشجرة لذلك وهو قول متكلف بلا حاجة.
* (أم نحن المنشئون) * لها بقدرتنا والتعبير عن خلقها بالإنشاء المنبىء عن بديع الصنع المعرب عن كمال القدرة والحكمة لما فيه من الغرابة الفارقة بينها وبين سائر الأشجار التي لا تخلو عن النار حتى قيل - في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار - كما أن التعبير عن نفخ الروح بالإنشاء في قوله تعالى: * (ثم أنشأنأه) * خلقا آخر لذلك.
* (نحن جعلن‍اها تذكرة ومت‍اعا للمقوين) *.
* (نحن جعلن‍اها تذكرة) * استئناف معين لمنافعها أي جعلناها تذكيرا لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش لينظروا إليها ويذكروا بها ما أوعدوا به، أو جعلناها تذكرة وأنموذجا من جهنم لما في " الصحيحين " وغيرهما عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: " ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " وعلى الوجهين التذكرة من الذكر المقابل للنسيان ولم ينظر في الأول إلى أنها من جنس نار جهنم أولا وفي الثاني نظر إلى ذلك، وقيل: تبصرة في أمر البعث لأن من أخرج النار من الشجر الأخضر المضاد لها قادر على إعادة ما تفرقت مواده، وقيل: تبصرة في الظلام يبصر بضوئها، وفيه أن التذكرة لا تكون بمعنى التبصرة المأخوذة من البصر وكون المراد تذكرة لنار جهنم هو المأثور عن الكثيرين، ومنهم ابن عباس. ومجاهد. وقتادة * (ومت‍اعا) * ومنفعة * (للمقوين) * للذين ينزلون القواء وهي القفر من أقوى دخل القواء كأصحر دخل الصحراء وتخصيص المقوين بذلك لأنهم أحوج إليها فإن المقيمين، أو النازلين بقرب منهم ليسوا بمضطرين إلى الاقتداح بالزناد.
وقيل: * (للمقوين) * أي المسافرين، ورواه جمع عن ابن عباس. وعبد بن حميد عن الحسن، وهو. وابن جرير. وعبد الرزاق عن قتادة بزيادة كم من قوم قد سافروا ثم أرملوا فأججوا نارا فاستدفئوا وانتفعوا بها، وكان إطلاق المقوين على المسافرين لأنهم كثيرا ما يسلكون القفراء والمفاوز، وقيل: * (للمقوين) * للفقراء يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون من البرد كأنه تصور من حال الحاصل في القفر الفقر، فقيل: - أقوى - فلان أي افتقر كقولهم أترب وأرمل، وقال ابن زيد: للجائعين لأنهم أقوت أي خلت بطونهم ومزاودهم من الطعام فهم يحتاجون إليها لطبخ ما يأكلون وخصوا - على ما قيل - لأن غيرهم يتنعم بها لا يجعلها متاعا، وتعقب بأنه بعيد لعدم انحصار ما يهمهم ويسد خلتهم فيما لا يؤكل إلا بالطبخ، وقال عكرمة. ومجاهد: المقوين المستمتعين بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين يستضيئون بها ويصطلون من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز، قال العلامة الطيبي. والطبرسي: وعلى هذا القول - المقوى - من الأضداد يقال للفقير: مقو لخلوه من المال، وللغنى مقو لقوته على ما يريد يقال: أقوى الرجل إذا صار إلى حال القوة والمعنى متاعا للأغنياء والفقراء لأنه لا غنى لأحد عنها انتهى.
وفيه بحث لا يخفى، ولعل الأقرب عليه أنه أريد بالاقواء الاحتياج والمستمتع بها محتاج إليها فتدبر، وتأخير هذه المنفعة للتنبيه على أن الأهم هو النفع الأخروي وتقديم أمر الماء على أمر النار لأن الاحتياج إليه أشد وأكثر والانتفاع به أعم وأوفر، وقال بعضهم: قدم خلق الإنسان من نطفة لأن النعمة في ذلك قبل النعمة في الثلاثة بعد، ثم ذكر بعده ما به قوام الإنسان من فائدة الحرث وهو الطعام الذي لا يستغنى عنه الجسد الحي وذلك الحب الذي يختبز فيحتاج بعد حصوله إلى حصول الماء ليعجن به فلذا ذكر بعده ثم إلى النار لتصيره خبزا فلذا ذكرت بعد الماء وهو كما ترى، واستحسن بعضهم من القارىء أن يقول بعد كل جملة استفهامية من الجمل السابقة: بل أنت يا رب، فقد أخرج عبد الرزاق. وابن المنذر. والحاكم. والبيهقي في " سننه " عن حجر المروى
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»