أخرى، وأما الكبيرة التي تختص بذلك العمل كالعجب ونحو المن والأذى بعد التصدق فهي محبطة لا محالة اتفاقا، وعليه يحمل ما نقل من الآثار، ومن لا يسميه إحباطا لأنه يجعله شرطا للقبول والإحباط أن يصير الثواب زائلا وهذا لا يتأتى إذا لم يثبت له ثواب فله ذلك، وهو أمر يرجع إلى الاصطلاح انتهى وهو من الحسن بمكان؛ وإعادة الفعل في * (وأطيعوا الرسول) * للاهتمام بشأن إطاعته عليه الصلاة والسلام.
* (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) *.
* (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * امتنعوا عن الدخول في الإسلام وسلوك طريقه أو صدوا الناس عنه * (ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) * نزلت في أهل القليب كما قيل، وحكمها عام كما قال غير واحد في كل من مات على كفره، وهو ظاهر على التفسير الأول لصدوا عن سبيل الله، وأما على التفسير الثاني له فقيل عليه: إن العموم مع تخصيص الكفر بصد الناس عن الإسلام محل نظر، ويفهم من كلام بعض الأجلة أن العموم لأن مدار عدم المغفرة هو الاستمرار على الكفر حسبما يشعر اعتباره قيدا في الكلام فتدبر. واستدل بمفهوم الآية بعض القائلين بالمفهوم على أنه تعالى قد يغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه.
* (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) *.
* (فلا تهنوا) * أي إذا علمتم أن الله تعالى مبطل أعمالهم ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا والآخرة فلا تبالوا بهم ولا تظهروا ضعفا، فالهاء فصيحة في جواب شرط مفهوم مما قبله، وقيل: هي لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة * (وتدعوا إلى السلم) * عطف على * (تهنوا) * داخل في حيز النهي أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح خورا وإظهارا للعجز فإن ذلك إعطاء الدنية، وجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن فيعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيد مما قبله كقوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله.
واستدل ألكيا بهذا النهي على منع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة، وعلى تحريم ترك الجهاد إلا عند العجز، وقرأ السلمي * (وتدعوا) * بتشديد الدال من ادعى بمعنى دعا، وفي " الكشاف " ذكر لا في هذه القراءة، ولعلى ذلك رواية أخرى، وقرأ الحسن. وأبو رجاء. والأعمش. وعيسى. وطلحة. وحمزة. وأبو بكر * (السلم) * بكسر السين * (وأنتم الأعلون) * أي الأغلبون، والعلو بمعنى الغلبة مجاز مشهور، والجملة حالية مقررة لمعنى النهي مؤكدة لوجوب الانتهاء وكذا قوله تعالى: * (والله معكم) * أي ناصركم فإن كونهم الأغلبين وكونه عز وجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة.
وقال أبو حيان: يجوز أن يكونا جملتين مستأنفتين أخبروا أولا أنهم الأعلون وهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها وهي كون الله تعالى معهم * (ولن يتركم أعمالكم) * قال: ولن يظلمكم، وقيل: ولن ينقصكم، وقيل: ولن يضيعها، وهو كما قال أبو عبيد. والمبرد من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم أو سلبته ماله وذهبت به، قال الزمخشري: وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر وهو من فصيح الكلام، وفيه هنا من الدلالة على مزيد لطف الله تعالى ما فيه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " والظاهر على ما ذكره أنه لا بد من تضمين وترته معنى السلب ونحوه ليتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه، وفي " الصحاح " أنه من الترة وحمله على نزع الخافض أي جعلته موتورا لم يدرك ثاره في ذلك كأنه نقصه فيه وجعله نظير دخلت البيت أي فيه وهو سديد أيضا.
وجوز بعضهم * (يتر) * ههنا متعديا لواحد و * (أعمالكم) * بدل من ضمير الخطاب أي لن يتر أعمالكم من ثوابها.