مروية عن عيسى إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن فالواو عاطفة على مصدر متصيد أي يكن بخلكم وإخراج أضغانكم.
* (هآ أنتم هاؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقرآء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) *.
* (ها أنتم هاؤلاء) * أي أنتم أيها المخاطبون هؤلاء الموصوفون بما تضمنه قوله تعلى: * (أن يسألكموها) * الخ، والجملة مبتدأ وخبر وكررت ها التنبيهية للتأكيد، وقوله سبحانه: * (تادعون لتنفقوا في سبيل الله) * الخ استئناف مقرر ومؤكد لذلك لاتحاد محصل معناهما فإن دعوتهم للانفاق هو سؤل الأموال منهم وبخل ناس منهم هو معنى عدم الإعطاء المذكور مجملا أو لا أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين فإن اسم الإشارة يكون موصولا مطلقا عند الكوفيين وأما البصريون فلم يثبتوا اسم الإشارة موصولا إلا إذا تقدمه ما الاستفهامية باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف، والانفاق في سبيل الله تعالى هو الانفاق المرضي له تعالى شأنه مطلقا فيشمل النفقة للعيال والأقارب والغزو وإطعام الضيوف والزكاة وغير ذلك وليس مخصوصا بالانفاق للغزو أو بالزكاة كما قيل.
* (فمنكم من يبخل) * أي ناس يبخلون * (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) * فلا يتعدى ضرر بخله إلى غيرها يقال: بخلت عليه وبخلت عنه لأن البخل فيه معنى المنع ومعنى التضييق على من منع عنه المعروف والإضرار فناسب أن يعدي بعن للأول وبعلى للثاني، وظاهر أن من منع المعروف عن نفسه فإضراره عليها فلا فرق بين اللفظين في الحاصل، وقال الطيبي: يمكن أن يقال يبخل عن نفسه على معنى يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه كقوله تعالى: * (ومن يوق شح نفسه) * وهو كما ترى * (والله الغني) * لا غيره عز وجل * (وأنتم الفقراء) * الكاملون في الفقر فما يأمركم به سبحانه فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المنافع التي لا تقتضي الحكمة إيصالها بدون ذلك فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم، وقوله تعالى: * (وإن تتولوا) * عطف على قوله سبحانه: * (إن تؤمنوا) * أي وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى * (يستبدل قوما غيركم) * يخلق مكانكم قوما آخرين وهو كقوله تعالى: * (يأت بخلق جديد) * (فاطر: 16) * (ثم لا يكونوا أمثالكم) * في التولي عن الايمان والتقوى بل يكونون راغبين فيهما.
وثم للتراخي حقيقة أو لبعد المرتبة عما قبل، والمراد بهؤلاء القوم أهل فارس، فقد أخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني في " الأوسط ". والبيهقي في " الدلائل ". والترمذي وهو حديث صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية * (وإن تتولوا) * الخ فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس ".
وجاء في رواية ابن مردويه عن جابر الدين بدل الايمان، وقيل: هم الأنصار، وقيل: أهل اليمان، وقيل: كندة والنخع، وقيل: العجم، وقيل: الروم، وقيل: الملائكة وحمل القوم عليهم بعيد في الاستعمال، وحيث صح الحديث فهو مذهبي.
والخطاب لقريش أو لأهل المدينة قولان والظاهر أنه للمخاطبين قبل والشرطية غير واقعة، فعن الكلبي شرط في الاستبدال توليهم لكنهم لم يتولوا فلم يستبدل سبحانه قوما غيرهم والله تعالى أعلم. ومما قاله بعض أرباب الإشارة في بعض الآيات: * (يا أيها الذين آمنوا أن تنصروا الله ينصركم) * (محمد: 7) نصرة الله تعالى من العبد على وجهين صورة ومعنى، أما نصرته تعالى في الصورة فنصرة دينه جل شأنه بإيضاح الدليل وتبيينه وشرح فرائضه وسننه وإظهار معانيه وأسراره وحقائقه ثم بالجهاد عليه وإعلاء كلمته وقمع أعدائه، وأما نصرته في المعنى فبا فناء الناسوت