تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٧٦
هذا الذي أظهره سبحانه لتفضيحهم، وقال الإمام: الأظهر أن يقال المراد يعلم سبحانه ما في قلوبهم من العلم بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه ما لا يخفى، والجملة اعتراض مقرر لما قبله متضمن للوعيد، والفاء في قوله سبحانه:
* (فكيف إذا توفتهم المل‍ائكة يضربون وجوههم وأدب‍ارهم) *.
* (فكيف إذا توفتهم الملائكة) * لترتيب ما بعدها على ما قبلها، * (وكيف) * منصوب بفعل محذوف هو العامل في الظرف كأنه قيل: يفعلون في حياتهم ما يفعلون من الحيل فكيف يفعلون إذا توفتهم الملائكة، وقيل: مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي فكيف حالهم أو حيلتهم إذا توفتهم الخ، وزعم الطبري أن التقدير فكيف علمه تعالى بأسرارهم إذا توفتهم الخ، وليس بشيء، ووقت التوفي هو وقت الموت، والملائكة عليهم السلام ملك الموت وأعوانه. وقرأ الأعمش * (توفاهم) * بالألف بدل التاء فاحتمل أن يكون ماضيا وأن يكون مضارعا حذف منه أحد تاءيه والأصل تتوفاهم * (يضربون وجوههم وأدبارهم) * حال من الملائكة، وجوز كونه حالا من ضمير * (توفتهم) * وضعفه أبو حيان، وهو على ما قيل تصوير لتوفيهم على أهول الوجوه وأفظعها وإبراز لما يخافون منه ويجبنون عن القتال لأجله فإن ضرب الوجوه والإدبار في القتال والجهاد مما يتقى، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه لا يتوفى أحد على معصية ألا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره، والكلام على الحقيقة عنده ولا مانع من ذلك وإن لم يحس بالضرب من حضر وما ذلك إلا كسؤال الملكين وسائر أحوال البرزخ.
والمراد بالوجه والدبر قيل العضوان المعروفان. أخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه قال: يضربون وجوههم واستاههم ولكن الله سبحانه كريم يكنى، وقال الراغب. وغيره: المراد القدام والخلف، وقيل: وقت التوفي وقت سوقهم في القيامة إلى النار والملائكة ملائكة العذاب يومئذ، وقيل: هو وقت القتال والملائكة ملائكة النصر تضرب وجوههم إن ثبتوا وأدبارهم إن هربوا نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلا القولين كما ترى.
* (ذلك بأنهم اتبعوا مآ أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعم‍الهم) *.
* (ذلك) * التوفي الهائل * (بأنهم) * أي بسبب أنهم * (اتبعوا ما أسخط الله) * من الكفر والمعاصي * (وكرهوا رضوانه) * ما يرضاه عز وجل من الإيمان والطاعات حيث كفروا بعد الإيمان وخرجوا عن الطاعة بما صنعوا من المعاملة مع إخوانهم اليهود، وقيل: ما أسخط الله كتمان نعت الرسول صلى الله عليه وسلم ورضوانه ما يرضيه سبحانه من إظهار ذلك، وهو مبني على أن ما تقدم أخبار عن اليهود وقد سمعت ما فيه، ولما كان اتباع ما أسخط الله تعالى مقتضيا للتوجه ناسب ضرب الوجه وكراهة رضوانه سبحانه مقتضيا للإعراض ناسب ضرب الدبر ففي الكلام مقابلة بما يشبه اللف والنشر * (فأحبط) * لذلك * (أعمالهم) * التي عملوها حال إيمانهم من الطاعات، وجوز أن يراد ما كان بعد من أعمال البر التي لو عملوها حال الإيمان لانتفعوا بها.
* (أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغ‍انهم) *.
* (أم حسب الذين في قلوبهم مرض) * هم المنافقون الذين فصلت أحوالهم الشنيعة وصفوا بوصفهم السابق لكونه مدارا لما نعى عليهم بقوله تعالى: * (أن لن يخرج الله أضغ‍انهم) * فأم منقطعة وأن مخففة من أن واسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبرها، والأضعان جمع ضغن وهو الحقد وقيده الراغب بالشديد وقد ضغن بالكسر وتضاغن القوم واضطغنوا أبطنوا الأحقاد، ويقال: اضطغنت الصبي إذا أخذته تحت حضنك وأنشد الأحمر. كأنه مضطغن صبيا وفرس ضاغن لا يعطي ما عنده من الجري إلا بالضرب، وأصل الكلمة من الضغن وهو الالتواء والاعوجاج في قوائم الدابة والقناة وكل شيء، قال بشر: كذات الضغن تمشي في الرقاق. وأنشد الليث:
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»