تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٦٩
الدنيا حيث أمرتم بالجهاد الذي هو وسيلة إلى ثواب الله تعالى العظيم فكرهتموه وظهر عليكم ما ظهر أحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف حالكم يا هؤلاء ما ترون هل يتوقع منكم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض الخ.
وفسر بعضهم التولي بالإعراض عن الإسلام فالفعل لازم أي فهل عسيتم إن أعرضتم عن الإسلام أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضا ووأد البنات، وتعقب بأن الواقع في حيز الشرط في مثل هذا المقام لا بد أن تكون محذوريته باعتبار ما يتبعه من المفاسد لا باعتبار ذاته ولا ريب في أن الإعراض عن الإسلام رأس كل شر وفساد فحقه أن يجعل عمدة في التوبيخ لا وسيلة للتوبيخ بما دونه من المفاسد، ويؤيد الأول قراءة بعض * (وليتم) * مبنيا للمفعول وكذا قراءته عليه الصلاة والسلام على ما ذكر في " البحر " وروريت عن علي كرم الله تعالى وجهه. ورويس. ويعقوب * (توليتم) * بالبناء للمفعول أيضا بناء على أن المعنى تولاكم الناس واجتمعوا على مولاتكم، والمراد كنتم فيهم حكاما، وقيل: المعنى تولاكم ولاة غشمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم واستظهر أبو حيان تفسيره بالإعراض إلا أنه قال: المعنى إن أعرضتم عن امتثال أمر الله تعالى في القتال أن تفسدوا في الأرض بعدم معونة أهل الإسلام على أعدائهم وتقطعوا أرحامكم لأن من أرحامكم كثيرا من المسلمين فإذا لم تعينوهم قطعتم ما بينكم وبينهم من الرحم.
وتعقب بأن حمل الإفساد على الإفساد بعدم المعونة فيه خفاء، وكذا الاتيان بأن عليه دون إذا من حيث أن الاعراض عن امتثال أمر الله تعالى في القتال كالمحقق من أولئك المنافقين فتأمل، و * (أن تفسدوا) * خبر - عسى - و * (إن توليتم) * اعتراض، وجواب أن محذوف يدل عليه ما قبله، وزعم بعضهم أن الأظهر جعل * (إن توليتم) * حالا مقدرة، وفيه أن الشرط بدون الجواب لم يعهد وقوعه حالا في غير أن الوصلية وهي لا تفارق الواو، والحاق الضمائر بعسى كما في سائر الأفعال المتصرفة لغة أهل الحجاز، وبنو تميم لا يلحقونها به ويلتزمون دخوله على أن والفعل فيقولون الزيدان عسى أن يقوما والزيدون عسى أن يقوموا، وذكر الإمام هاتين اللغتين ثم قال: وأما قول من قال: عسى أنت تقوم وعسى أنا أقوم فدون ما ذكرنا للتطويل الذي فيه فإن كان مقصوده حكاية لغة ثالثة هي انفصال الضمير فنحن لا نعلم أحدا من نقله اللسان العربي ذكرها وإن كان غير ذلك فليس فيه كثير جدوى.
وقرأ نافع * (عسيتم) * بكسر السين المهملة، وهو غريب. وقرأ أبو عمرو في رواية. وسلام. ويعقوب. وأبان. وعصمة. * (تقطعوا) * بالتخفيف مضارع قطع، والحسن * (تقطعوا) * بفتح التاء والقاف وشد الطاء وأصله تتقطعوا بتاءين حذفت إحداهما ونصبوا * (أرحامكم) * على إسقاط الحرف أي في أرحامكم لأن تقطع لازم.
* (أول‍ائك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبص‍ارهم) *.
* (أولائك) * إشارة إلى المخاطبين بطريق الالتفات إيذانا بأن ذكر هناتهم أوجب إسقاطهم عن درجة الخطاب ولو على جهة التوبيخ وحكاية أقوالهم الفظيعة لغيرهم، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: * (الذين لعنم الله) * أي أبعدهم من رحمته عز وجل * (فأصمهم) * عن استماع الحق لتصامهم عنه لسوء اختيارهم * (وأعمى أبصارهم) * لتعاميهم عما يشاهدونه من الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق وجاء التركيب * (فأصمهم) * ولم يأت فأصم آذانهم كما جاء * (وأعمى أبصارهم) * أو وأعماهم كما جاء فأصمهم، قيل: لأن الأذن لو أصيبت بقطع أو قلع لسمع الكلام فلم يحتج إلى ذكر الأذن والبصر وهو العين لو أصيب لامتنع الأبصار فالعين لها مدخل في الرؤية والأذن لا مدخل لها في السمع انتهى وهو كما ترى.
وقال الخفاجي: لأنه إذا ذكر الصمم لم يبق حاجة إلى ذكر الآذان، وأما العمى فلشيوعه في البصر
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»