تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٦٧
* (القتال) * بالنصب على أنه مفعول به * (رأيت الذين في قلوبهم مرض) * أي نفاق، وقيل: ضعف في الدين * (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) * أي نظر المحتضر الذي لا يطرف بصره، والمراد تشخص أبصارهم جبنا وهلعا، وقيل: يفعلون ذلك من شدة العداوة له عليه الصلاة والسلام، وقيل: من خشية الفضيحة فإنهم إن تخلفوا عن القتال افتضحوا وبأن نفاقهم، وقال الزمخشري: كانوا يدعون الحرص على الجهاد ويتمنونه بألسنتهم ويقولون: لولا أنزلت سورة في معنى الجهاد فإذا أنزلت وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه كاعوا وشق عليهم وسقط في أيديهم كقوله تعالى: * (فلما كتب عليهم القتال إذا فرق منهم يخشون الناس) * والظاهر ما ذكرناه أولا من أن القائلين هم الذين أخلصوا في ايمانهم وإنما عرا المنافقين ما عرا عند نزول أمر المؤمنين بالجهاد لدخولهم فيهم بحسب ظاهر حالهم، وقد جوز هو أيضا أرادة الخلص من الذين آمنوا لكن كلامه ظاهر في ترجح ما ذكره أولا عنده والظاهر أن في الكلام عليه إقامة الظاهر مقام المضمر، وجوز أن يكون المطلوب في قوله تعالى: * (لولا أنزلت سورة) * إنزال سورة مطلقا حيث كانوا يستأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ، وروى نحوه عن ابن جريج. أخرج ابن المنذر عنه أنه قال في الآية: كان المؤمنون يشتاقون إلى كتاب الله تعالى وإلى بيان ما ينزل عليهم فيه فإذا نزلت السورة يذكر فيها القتال رأيت يا محمد المنافقين ينظرون إليك الخ.
* (فأولى لهم) * تهديد ووعيد على ما روى عن غير واحد، وعن أبي علي أن * (أولى) * فيه علم لعين الويل مبني على زنة أفعل من لفظ الويل على القلب وأصله أويل وهو غير منصرف للعلمية والوزن، فالكلام مبتدأ وخبر.
واعترض بأن الويل غير متصرف فيه، ومثل يوم أيوم مع أنه غير منقاس لا يفرد عن الموصوف البتة، وإن القلب خلاف الأصل لا يرتكب إلا بدليل، وإن علم الجنس شيء خارج عن القياس مشكل التعقل خاصة فيما نحن فيه، ثم قيل: إن الاشتقاق الواضح من الولي بمعنى القرب كما في قوله: تكلفني ليلى وقد شط وليها * وعادت عواد بيننا وخطوب يرشد إلى أنه للتفضيل في الأصل غلب في قرب الهلاك ودعاء السوء كأنه قيل: هلاكا أولى لهم بمعنى أهلكهم الله تعالى هلاكا أقرب لهم من كل شر وهلاك، وهذا كما غلب بعدا وسحقا في الهلاك، وهو على هذا منصوب على أنه صفة في الأصل لمصدر محذوف وقد أقيم مقامه والجار متعلق به. وفي " الصحاح " عن الأصمعي أولى له قاربه ما يهلكه أي نزل به وأنشد. فعادى بين هاديتين منها * وأولى أن يزيد على الثلاث أي قارب أن يزيد، قال ثعلب: ولم يقل أحد في * (أولى) * أحسن مما قاله الأصمعي، وعلى هذا هو فعل مستتر فيه ضمير الهلاك بقرينة السياق، وقريب منه ما قيل: إنه فعل ماض وفاعله ضميره عز وجل واللام مزيدة أي أولاهم الله تعالى ما يكرهون أو غير مزيدة أي أدنى الله عز وجل الهلاك لهم، والظاهر زيادة اللام على ما سمعت عن الأصمعي، ومن فسره بقرب جوز الأمرين، وقيل: هو اسم فعل والمعنى وليهم شر بعد شر، وقيل: هو فعلى من آل بمعنى رجع لا أفعل من الولي فهو في الأصل دعاء عليهم بأن يرجع أمرهم إلى الهلاك، والمراد أهلكهم الله تعالى إلا أن التركيب مبتدأ وخبر، وقال الرضي: هو علم للوعيد من وليه الشر أي قربه، والتركيب مبتدأ وخبر أيضا. واستدل بما حكى أبو زيد من قولهم: أولاة بتاء التأنيث على أنه ليس بأفعل تفضيل ولا أفعل
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»