تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٦٦
موقوف على العلم بأن الله تعالى قد أظهر المعجزات على يده تصديقا له في دعواه وعلمه بذلك موقوف على العلم بأن ثمت إلها على صفة يمكن بها أن يبعث رسولا ككونه حيا عالما مريدا قادرا وهو من معرفة الإله سبحانه فلو استفدنا العلم بوجود الله تعالى وبتلك الصفات من الدلائل السمعية الموقوفة على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام لزم الدور كما ترى. نعم إذا قيل: إن المكلف بعدما آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم واعتقد اعتقادا جازما بصدقه في جميع ما جاء به من عند الله تعالى بأي وجه كان ذلك الجزم بالضرورة أو بالنظر أو بالتقليد فله أن يأخذ عقيدته من القرآن من غير تأويل ولا ميل من غير أن ينظر في دليل عقلي كان ذلك كلاما صحيحا لا غبار عليه، ولا يلزم منه تحصيل للحاصل بالنسبة إلى ما حصله أولا من المسائل التي يتوقف عليها صدق الرسول عليه الصلاة والسلام لأن التحصيل الثاني من حيث أن الجائي بدلائلها صادق فيها والتحصيل الأول كان بالنظر العقلي من غير اعتبار صدق الرسول عليه الصلاة والسلام فاختلفت الحيثية فليفهم والله تعالى أعلم.
* (والله يعلم متقلبكم) * في الدنيا * (ومثوياكم) * في الآخرة، وخص المتلقب بالدنيا والمثوى بالآخرة لأن كل أحد متحرك في الدنيا دائما نحومعاده غير قار وفي الآخرة مقيم لا حركة له نحو دار وراءها، والمراد من علمه تعالى بذلك تحذيرهم من جزائه وعقابه سبحانه أو الترغيب في امتثال ما يأمرهم جل شأنه به والترهيب عما ينهاهم عز وجل عنه على طريق الكناية، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: متقلبكم تصرفكم في حياتكم الدنيا ومثواكم في قبوركم وآخرتكم، وقال عكرمة: متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم إقامتكم في الأرض؛ وقال الطبري: وغيره: متقلبكم تصرفكم في يقظتكم ومثواكم منامكم، وقيل: متقلبكم في معايشكم ومتاجركم ومثواكم حيث تستقرون من منزلكم، وقيل: متقلبكم في أعمالكم ومثواكم من الجنة والنار.
واختار أبو حيان عمومهما في كل متقلب وفي كل إقامة، ونحوه ما قيل: المراد يعلم جميع أحوالكم فلا يخفى عليه سبحانه شيء منها.
وقرأ ابن عباس * (منقلبكم) * بالنون.
* (ويقول الذين ءامنوا لولا نزلت سورة فإذآ أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين فى قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت فأولى لهم) *.
* (ويقول الذين ءامنوا) * حرصا على الجهاد لما فيه من الثواب الجزيل فالمراد بهم المؤمنون الصادقون * (لولا نزلت سورة) * أي هلا أنزلت سورة يؤمر فيها بالجهاد - فلولا - تحضيضية، وعن ابن مالك أن * (لا) * زائدة والتقدير لو أنزلت سورة وليس بشيء.
* (فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال) * أي بطريق الأمر به، والمراد - بمحكمة - مبنية لا تشابه ولا احتمال فيها لوجه آخر سوى وجوب القتال، وفسرها الزمخشري بغير منسوخة الأحكام. وعن قتادة كل سورة فيها القتال فهي محكمة وهو أشد القرآن على المنافقين وهذا أمر استقرأه قتادة من القرآن لا بخصوصية هذه الآية والمتحقق أن آيات القتال غير منسوخة وحكمها باق إلى يوم القيامة. وقيل: محكمة بالحلال والحرام.
وقرىء * (نزلت) * سورة بالبناء للفاعل من نزل الثلاثي المجرد ورفع * (سورة) * على الفاعل. وقرأ زيد بن علي * (نزلت) * كذلك إلا أنه نصب * (سورة محكمة) *، وخرج ذلك على كون الفاعل ضمير السورة، و * (سور محكمة) * نصب على الحال. وقرأ هو. وابن عمير * (وذكر) * مبنيا للفاعل وهو ضميره تعالى
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»