تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٥٥
نحو ما قالوا في اسم محمد صلى الله عليه وسلم إنه متضمن عدة المرسلين عليه السلام، وأنت تعلم أن مثل ذلك مما لا ينبغي لعاقل أن يعول عليه أو يلتفت إليه، والحزم الجزم بأنه لا يعلم ذلك إلا اللطيف الخبير.
* (فاعلم أنه لا إل‍اه إلأ الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمن‍ات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) *.
* (فاعلم أنه لا إلاه إلا الله) * مسبب عن مجموع القصة من مفتتح السورة لا عن قوله تعالى: * (هل ينظرون) * كأنه قيل: إذا علمت أن الأمر كما ذكر من سعادة هؤلاء وشقاوة هؤلاء فأثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية فهو من موجبات السعادة، وفسر الأمر بالعلم بالثبات عليه لأن علمه صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لا يجوز أن يترتب على ما ذكره سبحانه من الأحوال فإنه عليه الصلاة والسلام موحد عن علم حال ما يوحى إليه ولأن المعنى فتمسك بما أنت فيه من موجبات السعادة لا باطلب السعادة، وقال بعض الأفاضل: إن الثبات أيضا حاصل له عليه الصلاة والسلام فأمره بذلك صلى الله عليه وسلم تذكير له بما أنعم الله تعالى عليه توطئة لما بعده، وتعقب بأن المراد بالثبات الاستمرار وهو بالنظر إلى الأزمنة الآتية وذلك وإن كان مما لا بد من حصوله له عليه الصلاة والسلام لمكان العصمة لكن المعصوم يؤمر وينهى فيأتي بالمأمور ويترك المنهي ولا بد للعصمة والأمر في قوله تعالى: * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * قيل على معنى الثبات أيضا، وجعل الاستغفار كناية عما يلزمه من التواضع وهضم النفس والاعتراف بالتقصير لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم أو مغفور لا مصر ذاهل عن الاستغفار، وقيل: التحقيق أنه توطئة لما بعده من الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات؛ ولعل الأولى إبقاؤه على الحقيقة من دون جعله توطئة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الاستغفار، أخرج أحمد. ومسلم. وأبو داود. والنسائي. وابن حبان عن الأغر المزني رضي الله تعالى عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة " وأخرج النسائي. وابن ماجه. وغيرهما عن أبي موسى قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصبحت غداة قط لا استغفرت الله فيها مائة مرة " وأخرج أبو داود. والترمذي وصححه. والنسائي. وابن ماجه. وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " إنا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة " وفي لفظ " التواب الغفور " إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة.
والذنب بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام ترك ما هو الأولى بمنصبه الجليل ورب شيء حسنة من شخص سيئة من آخر كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين؛ وقد ذكروا أن لنبينا صلى الله عليه وسلم في كل لحظة عروجا إلى مقام أعلى مما كان فيه فيكون ما عرج منه في نظره الشريف ذنبا بالنسبة إلى ما عرج إليه فيستغفر منه، وحملوا على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " إنه ليغان على قلبي " الحديث وفيه أقوال أخر، وقوله تعالى: * (وللمؤمنين) * على حذف مضاف بقرينة ما قبل أي ولذنوب المؤمنين، وأعيد الجار لأن ذنوبهم جنس آخر غير ذنبه عليه الصلاة والسلام فإنها معاص كبائر وصغائر وذنبه صلى الله عليه وسلم ترك الأولى بالنسبة إلى منصبه الجليل، ولا يبعد أن يكون بالنسبة إليهم من أجل حسناتهم، قيل: وفي حذف المضاف وتعليق الاستغفار بذواتهم إشعار بفرط احتياجهم إليه فكأن ذواتهم عين الذنوب وكذا فيه إشعار بكثرتها، وجوز بعضهم كون الاستغفار للمؤمنين بمعنى طلب المغفرة لهم وطلب سببها كأمرهم بالتقوى، وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز مع أن في صحته كلاما، فالظاهر إبقاء اللفظ على حقيقته.
وفي تقديم الأمر بالتوحيد إيذان بمزيد شرف التوحيد فإنه أساس الطاعات ونبراس العبادات، وفي الكلمة الطيبة أبحاث شريفة ولطائف منيفة لا بأس بذكر بعضها وإن تقدم شيء من ذلك فنقول. المشهور أن إلا للاستثناء والاسم الجليل بدل من محل اسم لا النافية للجنس وخبر * (لا) * محذوف، واستشكل الإبدال من جهتين أولاهما أنه بدل بعض وليس معه ضمير يعود على المبدل منه وهو شرط فيه؛ وأجيب بمنع كونه شرطا مطلقا
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»