تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٦١
دخل الجنة أي بلا حساب وإلا فما الفرق بين ذلك ومن قالها ولم تكن آخر كلامه من الدنيا، وبالجملة إن فضلها لا يحصى وإنها لتوصل قائلها إلى المقام الأقصى، وقد ألفت كتب في فضلها وكيفية النطق بها وآداب استعمالها فلا نطيل الكلام في ذلك. بقي ههنا بحث وهو أن المسلمين أجمعوا على وجوب معرفة الله تعالى وان اختلفوا في كونه شرعيا أو عقليا، وأما النظر في معرفته تعالى لأجل حصولها بقدر الطاقة البشرية فقد قال العلامة التفتازاني في " شرح المقاصد ": لا خلاف بين أهل الإسلام في وجوبه لأنه أمر مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق الذي هو المعرفة، وكل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعا ان كان وجوب الواجب المطلق شرعيا كما هو رأي الأصحاب وعقلا إن كان عقليا كما هو رأي المعتزلة لئلا يلزم تكليف المحال، أما كون النظر مقدورا فظاهر، وأما توقف المعرفة عليه فلأنها ليست بضرورية بل نظرية، ولا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر ويتحصل به، وظاهر كلام السيد السند في " شرح المواقف " إجماع المسلمين كافة على ذلك أيضا، والحق وقوع الخلاف في وجوب النظر كما يدل عليه كلام ابن الحاجب في مختصره، والعضد في شرحه، وكلام التاج السبكي في جمع الجوامع، والجلال الملحى في شرحه، وقول شيخ الإسلام في حاشيته عليه: محل الخلاف في وجوب النظر في أصول الدين وعدم وجوبه في غير معرفة الله تعالى منها أما النظر فيها فواجب إجماعا كما ذكره السعد التفتازاني كغيره اعترضه المحقق ابن قاسم العبادي في حاشيته الآيات البينات بقوله: أن الظاهر أن ما نقله السعد من الإجماع على وجوب النظر في معرفة الله تعالى غير مسلم عند الشارح وغيره، ألا ترى إلى تمثيل الشارح لمحل الخلاف بقوله: كحدوث العالم ووجود الباري تعالى وما جيب له جل شأنه وما يمتنع عليه سبحانه من الصفات فإن قوله: ووجود الباري تعالى الخ يتعلق بمعرفته عز وجل إلى آخر ما قال. نعم قال كثير ورجحه الإمام الرازي. والآمدي: إنه يجب النظر في مسائل الاعتقاد ومعرفة الله تعالى أسها فيجب فيها بالأولى، وقالوا في ذلك. لأن المطلوب اليقين لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * (محمد: 19) وقد علم ذلك، وقال تعالى للناس: * (واتبعوه لعلكم تهتدون) * (الأعراف: 158) ويقاس غير الوحدانية عليها، ولا يتم الاستدلال إلا بضم توقف حصول اليقين على النظر. وهؤلاء لم يجوزوا التقليد في الأصول وهو أحد أقوال في المسألة، ثانيها قول العنبري. إنه يجوز التقليد فيها بالعقد الجازم ولا يجب النظر لأنه عليه الصلاة والسلام كان يكتفي في الإيمان بالعقد الجازم ويقاس غير الإيمان عليه. والمراد أنه عليه الصلاة والسلام كان يكتفي بذلك نظرا إلى ظاهر الحال فإن الخبر كما صرح به المحقق عيسى الصفوي في شرحه للفوائد الغياثية على ما نقله عنه تلميذه ابن قاسم العبادي في الآيات البينات دال وضعا على صورة ذهنية على وجه الاذعان تحكي الحال الواقعية، ولا شك أن لا إله إلا الله محمد رسول الله من قسم الخبر فهما دالان وضعا على أن قائلهما ولو تحت ظلال السيف معتقد لمضمونهما على وجه الأذعان، وعدم كونه معتقدا في نفس الأمر احتمال عقلي، والمطلع على ما في القلوب علام الغيوب. وثالث الأقوال أنه يجب التقليد بالعقد الجازم ويحرم النظر لأنه مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف الأذهان بخلاف التقليد وهذا ليس بشيء أصلا. والذي أوجب النظر من المحققين لم يرد به النظر على طريق المتكلمين بل صرح كما في الجواب العتيد للكوراني بأن المعتبر هو النظر على طريق العامة، والظاهر أنه ليس مظنة الوقوع فيما ذكر، وهل القائل بوجوبه من أولئك جاعل له شرطا لصحة الإيمان أم لا ففيه خلاف. فيفهم من بعض
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»