تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٤٥
وجوز أن يكون الموصول في محل نصب على المفعولية لفعل مقدر يفسره الناصب - لتعسا - أي اتعس الله الذين كفروا أو تعس الله الذي كفروا تعسا لما سمعت عن " القاموس " وقد حكى أيضا عن أبي عبيدة، والفاء زائدة في الكلام كما في قوله تعالى: * (وربك فكبر) * (المدثر: 3) ويزيدها العرب في مثل ذلك على توهم الشرط، وقيل: يقدر الفعل مضارعا معطوفا على قوله تعالى: * (يثبت) * أي ويتعس الذين الخ. والفاء للعطف فالمراد اتعاس بعد اتعاس، ونظيره قوله تعالى: * (وإياي فارهبون) * أو لأن حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الاجمال، وفيه مقال.
* (ذلك بأنهم كرهوا مآ أنزل الله فأحبط أعم‍الهم) *.
* (ذالك) * أي ما ذكر من التعس والإضلال * (بأنهم) * بسبب أنهم * (كرهوا ما أنزل الله) * من القرآن لما فيه من التوحيد وسائر الأحكام المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم الأمارة بالسوء، وهذا تخصيص وتصريح بسببية الكفر بالقرآن للتعس والإضلال إذ قد علم من قوله تعالى: * (والذين كفروا) * الخ سببية مطلق الكفر الداخل فيه الكفر بالقرآن دخولا أوليا لذلك * (فاحبط) * لأجل ذلك * (أعمالهم) * التي لو كانوا عملوها مع الايمان لأثيبوا عليها، وذكر الاحباط مع ذكر الإضلال المراد هو منه إشعارا بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال.
* (أفلم يسيروا فى الارض فينظروا كيف كان ع‍اقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللك‍افرين أمث‍الها) *.
* (أفلم يسيروا في الأرض) * أي أقعدوا في أماكنهم فلم يسيروا فيها * (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * من الأمم المكذبة فإن آثار ديارهم تنبىء عن أخبارهم، وقوله تعالى: * (دمر الله عليهم) * استئناف بياني كأنه قيل: كيف كانت عاقبتهم؟ فقيل: أهلك ما يختص بهم من النفس والأهل والمال يقال دمره أهلكه ودمر عليه أهلك ما يختص به فدمر عليه أبلغ من دمره، وجاءت المبالغة من حذف المفعول وجعله نسيامنسيا والاتيان بكلمة الاستعلاء وهي لتضمن التدمير معنى الإيقاع أو الهجوم أو نحوه * (وللكافرين) * أي لهؤلاء الكافرين السائرين سيرتهم * (أمثالها) * أمثال عاقبتهم أو عقوبتهم لدلالة ما سبق عليها لكن لا على أن لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافه بل مثله، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة حسب تعدد الأمم المعذبة، وقيل: يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين وقد قتلوا وأسروا بأيدي من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم، والقتل بيد المثل أشد من الهلاك بسبب عام، وقيل: المراد بالكافرين المتقدمون بطريق الظاهر موضع الضمير كأنه قيل: دمر الله تعالى عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها.
* (ذلك بأن الله مولى الذين ءامنوا وأن الك‍افرين لا مولى لهم) *.
* (ذالك) * إشارة إلى ثبوت أمثال عاقبة أو عقوبة الأمم السالفة لهؤلاء، وقيل: إشارة إلى النصر وهو كما ترى * (بأن الله مولى الذين ءامنوا) * أي ناصرهم على أعدائهم، وقرىء * (ولي الذين آمنوا) * * (وأن الكافرين لا مولى لهم) * فيدفع ما حل بهم من العقوبة والعذاب، ولا يناقض هذا قوله تعالى: * (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) * لأن المولى هناك بمعنى المالك فلم يتوارد النفي والإثبات على معنى واحد.
* (إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات جن‍ات تجرى من تحتها الانه‍ار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانع‍ام والنار مثوى لهم) *.
* (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) * بيان لحكم ولايته تعالى لهم وثمرتها الأخروية * (والذين كفروا يتمتعون) * أي ينتفعون بمتاع الدنيا أياما قلائل * (ويأكلون كما تأكل الأنعام) * الكاف في موضع نصب إما على الحال من ضمير المصدر كما
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»