تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٣
وانطوت على البراهين الساطعة والنصوص اللامعة في المبدأ والمعاد، واللام للاختصاص، وتقديم الخبر لتأكيده، وتعريف الحمد للاستغراق أو الجنس، والجملة إخبار عن الاستحقاقه تعالى لما تدل عليه، وجوز أن يراد الإنشاء، وتمام الكلام قد تقدم في الفاتحة، وفي التفريع المذكور على ما قاله بعض الأجلة إشارة إلى أن كفرهم لا يؤثر شيئا في ربوبيته تعالى ولا يسد طريق إحسانه ورحمته عز وجل. ومن يسد طريق العارض الهطل وإنما هم ظلموا أنفسهم، وإجراء ما أجرى من الصفات الدالة على إنعامه تعالى عليه عز وجل كالدليل على استحقاقه تعالى الحمد واختصاصه به جل وعلا؛ وقوله تعالى: * (رب العالمين) * بدل مما قبل؛ وفي تكرير لفظ الرب تأكيد وإيذان بأن ربوبيته تعالى لكل بطريق الأصالة. وقرأ ابن محيصن برفعه على المدح بإضمار هو.
* (وله الكبريآء فى السم‍اوات والارض وهو العزيز الحكيم) *.
* (وله الكبرياء) * فيه من الاختصاص ما في * (لله الحمد) * والكبرياء قال ابن الأثير: العظمة والملك، وقال الراغب: الترفع عن الانقياد، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود، وقوله تعالى: * (في السموات والأرض) * في موضع الحال أو متعلق - بالكبرياء - والتقييد بذلك لظهور آثار الكبرياء وأحكامها فيه، والإظهار في مقام الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء، وفي الحديث القدسي " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار " أخرجه الإمام أحمد. ومسلم. وأبو داود. وابن ماحه. وابن أبي شيبة. والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة، وهو ظاهر في عدم اتحاد الكبرياء والعظمة فلا تغفل * (وهو العزيز) * الذي لا يغلب * (الحكيم) * في كل ما قضى وقدر، وفي هذه الجمل إرشاد - على ما قيل - إلى أوامر جليلة كأنه قيل: له الحمد فاحمدوه تعالى وله الكبرياء فكبروه سبحانه وهو العزيز الحكيم فأطيعوه عز وجل، وجعلها بعضهم مجازا أو كناية عن الأوامر المذكورة والله تعالى أعلم، هذا ولم أظفر من باب الإشارة بما يتعلق بشيء من آيات هذه السورة الكريمة يفي بمؤنة نقله غير ما يتعلق بقوله تعالى: * (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) * (الجاثية: 13) من جعله إشارة إلى وحدة الوجود، وقد مر ما يغني عن نقله، والله عز وجل ولي التوفيق.
سورة الأحقاف أخرج ابن مردويه عن ابن عباس. وابن الزبير أنها نزلت بمكة فأطلق غير واحد القول بمكيتها من غير استثناء، واستثنى بعضهم قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن كان من عند الله) * (فصلت: 52) الآية، فقد أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي أنها نزلت بالمدينة في قصة إسلام عبد الله بن سلام، وروي ذلك عن محمد بن سيرين.
وفي " الدر المنثور " أخرج البخاري. ومسلم. والنسائي. وابن جرير. وابن المنذر. وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت * (وشهد شاهد من بني إسرائيل) * (الأحقاف: 10) وفي نزولها فيه رضي الله تعالى عنه أخبار كثيرة، وظاهر ذلك أنها مدنية لأن إسلامه فيها بل في الأخبار ما يدل على مدنيتها من وجه آخر، وعكرمة ينكر نزولها فيه ويقول: هي مكية كما أخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عنه. وكذا مسروق، فقد أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام ما نزلت إلا بمكة وإنما كان إسلام ابن سلام بالمدينة وإنما كانت خصومة خاصم بها محمد صلى الله عليه وسلم، واستثنى بعضهم * (والذي قال لوالديه) * (الأحقاف: 17) الآيتين، وزعم مروان
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»