تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٦٧
إذا سئلوا ما لهم من علا * أشاروا إلى أعظم ناخره وقال الفاضل السري عبد الباقي أفندي العمري: أقول لمن غدا في كل وقت * يباهينا بأسلاف عظام أتقنع بالعظام وأنت تدري * بأن الكلب يقنع بالعظام وما ألطف قوله: لم يجدك الحسب العالي بغير تقى * مولاك شيئا فحاذر واتق الله وابغ الكرامة في نيل الفخار به * فأكرم الناس عند الله أتقاها وأكثر ما رأينا ذلك الافتخار البارد عند أولاد مشايخ الزوايا الصوفية فإنهم ارتكبوا كل رذيلة وتعروا عن كل فضيلة ومع ذلك استطالوا بآبائهم على فضلاء البرية واحتقروا أناسا فاقوهم حسبا ونسبا وشرفوهم أما وأبا وهذا هو الضلال البعيد والحمق الذي ليس عليه مزيد، ولولا خشية السأم لأطلقنا في هذا الميدان عنان كميت القلم على أن فيما ذكرنا كفاية لمن أخذت بيده العناية والله تعالى أعلم.
* (قالت الاعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ول‍اكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايم‍ان فى قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعم‍الكم شيئا إن الله غفور رحيم) *.
* (قالت الأعراب ءامنا) * قال مجاهد: نزلت في بني إسد بن خزيمة قبيلة تجاور المدينة أظهروا الإسلام وقلوبهم دغلة إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا، ويروى أنهم قدموا المدينة في سنة جدبة فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون بذكر ذلك الصدقة ويمنون به على النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل: هم مزينة. وجهينة. وأسلم. وأشجع. وغفار قالوا: آمنا فاستحقينا الكرامة فرد الله تعالى عليهم، وأيا ما كان فليس المراد بالأعراب العموم كما قد صرح به قتادة. وغيره، وإلحاق الفعل علامة التأنيث لشيوع اعتبار التأنيث في الجموع حتى قيل: لا تبالي بجمعهم * كل جمع مؤنث والنكتة في اعتباره ههنا الإشارة على قلة عقولهم على عكس ما روعي في قوله تعالى: * (وقال نسوة) * * (قل لم تؤمنوا) * إكذاب لهم بدعوى الإيمان إذ هو تصديق مع الثقة وطمأنينة القلب ولم يحصل لهم وإلا لما منوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بترك المقاتلة كما دل عليه آخر السورة * (ول‍اكن قولوا أسلمنا) * فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وهو ضد الحرب وما كان من هؤلاء مشعر به، وكان الظاهر لم تؤمنوا ولكن أسلمتم أو لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا لتحصل المطابقة لكن عدل عن الظاهر اكتفاء بحصولها من حيث المعنى مع إدماج فوائد زوائد، بيان ذلك أن الغرض المسوق له الكلام توبيخ هؤلاء في منهم بإيمانهم بأنهم خلوا عنه أولا وبأنهم الممتنون إن صدقوا ثانيا، فالأصل في الإرشاد إلى جوابهم قل كذبتم ولكن أخرج إلى ما هو عليه المنزل ليفيد عدم المكافحة بنسبة الكذب، وفيه حمل له عليه الصلاة والسلام على الأدب في شأن الكل ليصير ملكة لأتباعه وأن لا يلبسوا جلد النمر لمن يخاطبهم به وتلخيص ما كذبوا فيه.
ومن الدليل على أنه الأصل قوله تعالى في الآية التالية: * (أولئك هم الصادقون) * (الحجرات: 15) تعريضا بأن الكذب منحصر فيهم، وأوثر على لا تقولوا آمنا لاستهجان ذلك لا سيما من النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»