تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٦١
ونكره على الثانية وخلاف الأولى على الثالثة، وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي وإلا فكالمسلم؛ وأما ذكره ببدعته فليس مكروها.
وقال ابن المنذر في قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الغيبة: " ذكرك أخاك بما يكره ": فيه دليل على أن من ليس أخالك من اليهود والنصارى وسائر أهل الملل ومن أخرجته بدعته إلى غير دين الإسلام لا غيبة له ويجري نحوه في الآية، والوجه تحريم غيبة الذمي كما تقرر وهو وإن لم يعلم من الآية ولا من الخبر المذكور معلوم بدليل آخر ولا معارضة بين ما ذكر وذلك الدليل كما لا يخفى، وقد تجب الغيبة لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها وتنحصر في ستة أسباب. الأول: التظلم فلمن ظلم أن يشكو لمن يظن له قدرة على إزالة ظلمه أو تخفيفه. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته. الثالث: الاستفتاء فيجوز للمستفتي أن يقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا فهل يجوز له أو ما طريق تحصيل حقي أو نحو ذلك؛ والأفضل أن يبهمه.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر كجرح الشهود والرواة والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية فتجوز إجماعا بل تحب، وكأن يشير وإن لم يستشر على مريد تزوج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي ويقتصر على ما يكفي فإن كفى نحو لا يصلح لك فذاك وإن احتاج إلى ذكر عيب ذكره أو عيبين فكذلك وهكذا ولا يجوز الزيادة على ما يكفي، ومن ذلك أن يعلم من ذي ولاية قادحا فيها كفسق أو تغفل فيجب ذكر ذلك لمن له قدرة على عزله وتولية غيره الخالي من ذلك أو على نصحه وحثه للاستقامة، والخامس: أن يتجاهر بفسقه كالمكاسين وشربة الخمر ظاهرا فيجوز ذكرهم بما تجاهروا فيه دون غيره إلا أن يكون له سبب آخر مما مر.
السادس: للتعريف بنحو لقب كالأعور. والأعمش. فيجوز وإن أمكن تعريفه بغيره. نعم الأولى ذلك إن سهل ويقصد التعريف لا التنقيص، وأكثر هذه الستة مجمع عليه ويدل لها من السنة أحاديث صحيحة مذكورة في محلها كالأحاديث الدالة على قبح الغيبة وعظم آثامها وأكثر الناس بها مولعون ويقولون: هي صابون القلوب وأن لها حلاوة كحلاوة التمر وضراوة كضراوة الخمر وهي في الحقيقة كما قال ابن عباس. وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم: الغيبة أدام كلاب الناس نسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى.
وما أحسن ما جاء الترتيب في هذه الآية أعني قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) * (الحجرات: 12) الخ كما قال أبو حيان وفصله بقوله: جاء الأمر أولا باجتناب الطريق التي لا تؤدي إلى العلم وهو الظن ثم نهى ثانيا عن طلب تحقيق ذلك الظن ليصير علما بقوله سبحانه: * (ولا تجسسوا) * (الحجرات: 12) ثم نهى ثالثا عن ذكر ذلك إذا علم فهذه أمور ثلاثة مترتبة ظن فعلم بالتجسس فاغتياب، وقال ابن حجر عليه الرحمة: إنه تعالى ختم كلا من الآيتين بذكر التوبة رحمة بعباده وتعطفا عليهم لكن لما بدئت الأولى بالنهي ختمت بالنفي في * (ومن لم يتب) * (الحجرات: 11) لتقاربهما ولما بدئت الثانية بالأمر في * (اجتنبوا) * ختمت به في * (فاتقوا الله) * إلى الخ وكان حكمة ذكر التهديد الشديد في الأولى فقط بقوله تعالى: * (ومن لم يتب) * الخ أن ما فيها أفحش لأنه إيذاء في الحضرة بالخسرية أو اللمز أو النبز بخلافه في الآية الثانية فإنه أمر خفي إذ كل من الظن والتجسس والغيبة يقتضي الإخفاء وعدم العلم به غالبا انتهى فلا تغفل.
* (ياأيها الناس إنا خلقن‍اكم من ذكر وأنثى وجعلن‍اكم شعوبا وقبآئل لتع‍ارفوا إن أكرمكم عند الله أتق‍اكم إن الله عليم خبير) *.
* (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * من آدم وحواء عليهما السلام فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب ومن هذا قوله:
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»