تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٦٩
* (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) * في طاعته عز وجل على تكثر فنونها من العبادات البدنية المحضة والمالية الصرفة والمشتملة عليهما معا كالحج والجهاد ، وتقديم الأموال على الأنفس من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، ويجوز بأن يقال: قدم الأموال لحرص الكثير عليها حتى أنهم يهلكون أنفسهم بسببها مع أنه أوفق نظرا إلى التعريض بأولئك حيث إنهم لم يكفهم أنهم لم يجاهدوا بأموالهم حتى جاؤا وأظهروا الإسلام حبا للمغانم وعرض الدنيا ومعنى * (جاهدوا) * بذلوا الجهد أو مفعوله مقدر أي العدو أو النفس والهوى * (أول‍ائك) * الموصفون بما ذكر من الأوصاف الجميلة * (هم الصادقون) * أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان لا أولئك الأعراب. روي أنه لما نزلت الآية جاؤا وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون فنزل لتكذيبهم قوله تعالى:
* (قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما فى السم‍اوات وما فى الارض والله بكل شىء عليم) *.
* (قل أتعلمون الله بدينكم) * أي اتخبرونه سبحانه وتعالى بذلك بقولكم آمنا - فتعلمون - من علمت به فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه وإلى الثاني بحرف الجر، وقيل: إنه تعدى به لتضمين معنى الإحاطة أو الشعور فيفيد مبالغة من حيث إنه جار مجرى المحسوس وقوله تعالى: * (والله يعلم ما في السموات وما في الأرض) * حال من مفعول * (تعلمون) * وفيه من تجهيلهم ما لا يخفى، وقوله سبحانه: * (والله بكل شيء عليم) * تذييل مقرر لما قبله أي مبالغ في العلم بجميع الأشياء التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند إظهارهم الإيمان.
* (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسل‍امكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايم‍ان إن كنتم ص‍ادقين) *.
* (يمنون عليك أن أسلموا) * أي يعتدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثوابا ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته، وقال الراغب: هي النعمة الثقيلة من المن الذي يوزن به وثقلها عظمها أو المشقة في تحملها، * (وأن أسلموا) * في موضع المفعول - ليمنون - لتضمينه معنى الاعتداد أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوبا بنزع الخافض أو مجرورا بالحرف المقدر أي يمنون عليك بإسلامهم، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى: * (قل لا تمنوا علي إسلامكم) * فهو إما على معنى لا تعتدوا إسلامكم منة علي أو لا تمنوا علي بإسلامكم، وجوز أبو حيان أن يكون * (أن أسلموا) * مفعولا من أجله أي يتفضلون عليك لأجل إسلامهم * (بل الله يمن عليكم أن هدياكم للإيمان) * أي ما زعمتم في قولكم آمنا فلا ينافى هذا قوله تعالى: * (قل لم تؤمنوا) * (الحجرات: 14) أو الهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم وينافي نفي الإيمان السابق.
وقرأ عبد الله. وزيد بن علي * (إذ هداكم) * بإذ التعليلية، وقرىء * (إن هداكم) * بإن الشرطية * (إن كنتم صادقين) * أي في ادعاء الإيمان فهو متعلق الصدق لا الهداية فلا تغفل؛ وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم، ولا يخفى ما في سياق الآية من اللطف والرشاقة، وذلك أن الكائن من أولئك الأعراب قد سماه الله تعالى إسلاما إظهارا لكذبهم في قولهم: آمنا أي أحدثنا الإيمان في معرض الامتنان ونفى سبحانه أن يكون كما زعموا إيمانا فلما منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منهم قال سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام: يعتدون عليك بما ليس جديرا بالاعتداد به من حديثهم الذي حق تسميته أن يقال له إسلام فقل لهم: لا تعتدوا على إسلامكم أي حديثكم المسمى إسلاما عندي لا إيمانا، ثم قال تعالى: بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم، وفي قوله تعالى: * (إسلامكم) * بالإضافة ما يدل على أن ذلك غير معتد به
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»