تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٧٠
وأنه شيء يليق بأمثالهم فأنى يخلق بالمنة، وللتنبيه على أن المراد بالإيمان الإيمان المعتد به لم يضفه عز وجل، ونبه سبحانه بقوله جل وعلا: * (إن كنتم صادقين) * على أن ذلك كذب منهم، واللطف في تقديم التكذيب ثم الجواب عن المن مع رعاية النكت في كل من ذلك، وتمام الحسن في التذييل بقوله تعالى:
* (إن الله يعلم غيب السم‍اوات والارض والله بصير بما تعملون) *.
* (إن الله يعلم غيب السموات والأرض) * أي ما غاب فيهما * (والله بصير بما تعملون) * أي في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه سبحانه ما في ضمائركم، وذلك ليدل على كذبهم وعلى اطلاعه عز وجل خواص عباده من نوأتباعه رضي الله تعالى عنهم. وقرأ ابن كثير. وأبان، عن عاصم * (يعملون) * بياء الغيبة والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في بعض الآيات: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * (الحجرات: 1) الخ إشارة إلى لزوم العمل بالشرع ورعاية الأدب وترك مقتضيات الطبع، وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * يشير إلى أنه إن سولت النفس الأمارة بالسوء وجاءت بنبأ شهوة من شهوات الدنيا ينبغي التثبت للوقوف على ربحها وخسرانها * (إن تصيبوا قوما) * من القلوب وصفاتها * (بجهالة فتصبحوا) * صباح يوم القيامة * (على ما فعلتم نادمين) * (الحجرات: 6) فإن ما فيه شفاء النفوس وحياتها فيه مرض القلوب ومماتها * (واعلموا أن فيكم رسول الله) * (الحجرات: 7) الخ يشير إلى رسول الإلهام الرباني في الأنفس بلهم فجورها وتقواها، ويشير قوله تعالى: * (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله) * (الحجرات: 9) إلى أن النفس إذا ظلمت القلب باستيلاء شهواتها يجب أن تقاتل حتى تثخن بالجراحة بسيوف المجاهدة فإن استجابت بالطاعة عفى عنها لأنها هي المطية إلى باب الله عز وجل: * (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) * (الحجرات: 10) إشارة إلى رعاية حق الأخوة الدينية ومنشأ نطفها صلب النبوة وحقيقتها نور الله تعالى فإصلاح ذات بينهم برفع حجب استار البشرية عن وجوه القلوب ليتصل النور بالنور من روزنة القلب فيصيروا كنفس واحدة * (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم) * (الحجرات: 11) يشير إلى ترك الإعجاب بالنفس والنظر إلى أحد بعين الاحتقار فإن الظاهر لا يعبأ به والباطن لا يطلع عليه فرب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله تعالى لأبره * (قالت الأعراب آمنا) * (الحجرات: 14) إلى آخره فيه إشارة إلى أنه ينبغي ترك رؤية الأعمال والعلم بأن المنة في الهداية لله الملك المتعال، وفيه إرشاد إلى كيفية مخاطبة الجاهلين والرد على المحجوبين كما سلفت الإشارة إليه، هذا ونسأل الله تعالى التوفيق لما يرضاه يوم العرض عليه.
سورة ق وتسمى سورة الباسقات وهي مكية وأطلق الجمهور ذلك، وفي التحرير عن ابن عباس. وقتادة أنها مكية إلا قوله تعالى: * (ولقد خلقنا السموات والأرض) * (ق: 38) الآية فهي مدنية نزلت في اليهود، وآيها خمس وأربعون بالإجماع، ولما أشار سبحانه في آخر السورة السابقة إلى أن إيمان أولئك الأعراب لم يكن إيمانا حقا ويتضمن ذلك إنكار النبوة وإنكار البعث افتتح عز وجل هذه السورة بما يتعلق بذلك، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقرؤها في صلاة الفجر كما في حديث مسلم. وغيره عن جابر بن سمرة، وفي رواية ابن ماجه. وغيره عن قطبة بن مالك أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرؤها في الركعة الأولى من صلاة الفجر. وأخرج أحمد. ومسلم. وأبو داود. وابن ماجه. والترمذي. والنسائي عن أبي واقد الليثي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بقاف
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»