تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٢٦
على الإطلاق، وجوز أن يكون للاستغراق الحقيقي والتفضيل باعتبار كثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم لا من كل الوجوه حتى يلزم تفضيلهم على هذه الأمة المحمدية، وقيل: المراد اخترناهم للإيحاء على الوجه الذي وقع وخصصناهم به دون العالمين، وليس بشيء، ومما ذكرنا يعلم أنه ليس في الآية تعلق حرفي جر بمعنى بمتعلق واحد لأن الأول متعلق بمحذوف وقع حالا والثاني متعلق بالفعل كقوله: ويوما على ظهر الكثيب تعذرت * على وآلت حلفة لم تحلل وقيل: لأن كل حرف بمعنى.
* (وءاتين‍اهم من الاي‍ات ما فيه بلؤا مبين) *.
* (وءاتيناهم من الآيات) * كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغيرها من عظائم الآيات التي لم يعهد مثلها في غيرهم، وبعضها وأن أوتيها موسى عليه السلام يصدق عليه أنهم أوتوه لأن ما للنبي لأمته * (ما فيه بلاء مبين) * أي نعمة ظاهرة أو اختبار ظاهر للنظر كيف يعملون، وفي * (فيه) * إشارة إلى أن هناك أمورا أخرى ككونه معجزة.
* (إن ه‍اؤلاء ليقولون) *.
* (إن هؤلاء) * كفار قريش لأن الكلام فيهم، وذكر قصة فرعون وقومه استطرادي للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار عن مثل ما حل بهم، وفي اسم الإشارة تحقير لهم * (ليقولون) *.
* (إن هى إلا موتتنا الاولى وما نحن بمنشرين) *.
* (إن هي إلا موتتنا الأولى) * أي ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية * (وما نحن بمنشرين) * أي بمبعوثين بعدها، وتوصيفها بالأولى ليس لقصد مقابلة الثانية كما في قولك: حج زيد الحجة الأولى، ومات.
قال الأسنوي في " التمهيد ": الأول: في اللغة ابتداء الشيء ثم قد يكون له ثان وقد لا يكون، كما تقول: هذا أول ما اكتسبته فقد تكتسب بعده شيئا وقد لا تكتسب كذا ذكره جماعة منهم الواحدي في تفسيره والزجاج.
ومن فروع المسألة ما لو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق تطلق إذا ولدته، وإن لم تلد غيره بالاتفاق، قال أبو علي: اتفقوا على أنه ليس من شرط كونه أولا أن يكون بعده آخر، وإنما الشرط أن لا يتقدم عليه غيره اه‍، ومنه يعلم ما في قول بعضهم: إن الأول يضايف الآخر والثاني ويقتضي وجوده بلا شبهة، والمثال إن صح فإنما هو فيمن نوى تعدد الحج فاختر مته المنية فلحجة ثان باعتبار العزم من قصور الإطلاع وأنه لا حاجة إلى أن يقال: إنها أولى بالنسبة إلى ما بعدها من حياة الآخرة بل هو في حد ذاته غير مقبول لما قال ابن المنير من أن الأولى إنما يقابلها أخرى تشاركها في أخص معانيها، فكما لا يصح أو لا يحسن أن يقال: جاءني رجل وامرأة أخرى لا يقال الموتة الأولى بالنسبة لحياة الآخرة، وقيل: إنه قيل لهم أنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة، وذلك قوله عز وجل * (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * (البقرة: 28) فقالوا: * (إن هي إلا موتتنا الأولى) * يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تتعقبها حياة، إلا الموتة الأولى دون الثانية وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلا للموتة الأولى خاصة، وهذا ما ارتضاه جار الله وأراد أن النفي والإثبات لما كان لرد المنكر المصر إلى الصواب كان منزلا على إنكارهم، لا سيما والتعريف في الأولى تعريف عهد، وقوله تعالى: * (الموتة الأولى) * تفسير للمبهم وهي على نحو هي العرب تقول كذا فيتطابقان والمعهود الموتة التي تعقبتها الحياة الدنيوية، ولذلك استشهد بقوله تعالى: * (وكنتم أمواتا) * (البقرة: 169) الخ فليس اعتبار الوصف عدولا عن الظاهر من غير حاجة كما قال ابن المنير. وقوله في الاعتراض أيضا: إن الموت السابق على الحياة
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»