تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٣٧
جعله تكلما بالباقي بعد الثنيا، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى من الموت فلا إشكال فتأمل. وقرأ عبيد بن عمير * (لا يذاقون) * مبنيا للمفعول، وقرأ عبد الله * (لا يذوقون فيها طعم الموت) * وجاء في الحديث النوم لأنه أخو الموت، أخرج البزار. والطبراني في " الأوسط ". وابن مردويه. والبيهقي في البعث بسند صحيح عن جابر بن عبد الله قال: " قيل يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال: لا النون أخو الموت وأهل الجنة لا يموتون ولا ينامون ".
* (ووقاهم عذاب الجحيم) * وقرأ أبو حيوة * (ووقاهم) * مشدد القاف على المبالغة في التكثير في الوقاية لأن التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأن الفعل متعد قبله.
* (فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) *.
* (فضلا من ربك) * أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلا منه تعالى فهو نصب على المصدرية، وجوز فيه أن يكون حالا ومفعولا له، وأيا ما كان ففيه إشارة إلى نفي إيجاب أعمالهم الإثابة عليه سبحانه وتعالى. وقرىء * (فضل) * بالرفع أي ذلك فضل * (ذالك هو الفوز العظيم) * لأنه فوز بالمطالب وخلاص من المكاره.
* (فإنما يسرن‍اه بلس‍انك لعلهم يتذكرون) *.
* (فإنما يسرناه) * أي فإنما سهلنا القرآن * (بلسانك) * أي بلغتك، وقيل: المعنى أنزلناه على لسانك بلا كتابة لكونك أميا، وهذا فذلكة وإجمال لما في السورة بعد تفصيل تذكيرا لما سلف مشروحا فيها، فالمعنى ذكرهم بالكتاب المبين فإنما يسرناه بلسانك * (لعلهم يتذكرون) * أي كي يفهموه ويتذكروا به ويعملوا بموجبه.
* (فارتقب إنهم مرتقبون) *.
* (فارتقب) * أي وأن لم يتذكروا فانتظر ما يحل بهم وهو تعميم بعد تخصيص بقوله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء) * (الدخان: 59) منتظرون ما يحل بك كما قالوا: " نتربص به ريب المنون " وقيل: معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكما، وقيل: هو مشاكلة، والمعنى أنهم صائرون للعذاب، وفي الآية من الوعد له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، وقيل: فيها الأمر بالمتاركة وهو منسوخ بآية السيف فلا تغفل.
ومن باب الإشارة في الآيات: ما ذكروه في قوله تعالى: * (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون) * (الدخان: 17) إلى آخر القصة من تطبيق ذلك على ما في الأنفس، وهو مما يعلم ما ذكرناه في باب الإشارة من هذا الكتاب غير مرة فلا نطيل به، وقالوا في قوله تعالى: * (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق) * (الدخان: 38، 39) إنه إشارة إلى الوحدة كقوله عز وجل: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) * (فصلت: 53) وأفصح بعضهم فقال: الحق هو عز وجل والباء للسببية أي ما خلقناهما إلا بسبب أن تكون مرايا لظهور الحق جل وعلا، ومن جعل منهم الباء للملابسة أنشد. رق الزجاج وراقت الخمر * فتشاكلا وتشابه الأمر فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمور والعبارة ضيقة والأمر طور ما وراء العقل والسكوت أسلم، وقالوا في شجرة الزقوم: هي شجرة الحرص وحب الدنيا تظهر يوم القيامة على أسوأ حال وأخبث طعم، وقالوا: * (الموتة الأولى) * (الدخان: 56) ما كان في الدنيا بقتل النفس بسيف الصدق في الجهاد الأكبر وهو المشار إليه بموتوا قبل أن تموتوا فمن مات ذلك الموت حيى أبدا الحياة الطيبة التي لا يمازجها شيء من ماء الألم الجسماني والروحاني وذلك هو الفوز العظيم، والله تعالى يقول الحق وهو سبحانه يهدي السبيل.
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»