تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٢٣
يضربه بعصاه حتى يلتئم كما ضربه أولا فانفلق لئلا يتبعه فرعون وجنوده فأمر بأن يتركه رهوا أي مفتوحا منفرجا أو ساكنا على هيئته قارا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق يبسا ولا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله تعالى عليهم، وذلك قوله تعالى:
* (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) *.
* (إنهم جند مغرقون) * فهو تعليل للأمر بتركه رهوا، وقيل: رهوا سهلا، وقيل: يابسا، وقيل: جددا، وقيل: غير ذلك والكل بيان لحاصل المعنى، وزعم الراغب أن الصحيح أن الرهو السعة من الطريق ثم قال: ومنه الرهاء المفازة المستوية ويقال لكل جوبة مستوية يجتمع فيها الماء رهو ومنه قيل: لا شفعة في رهو. والحق أن ما ذكره من جملة إطلاقاته وأما أنه الصحيح فلا وقرىء * (أنهم) * بالفتح أي لأنهم.
* (كم تركوا من جن‍ات وعيون) *.
* (كم تركوا) * أي كثيرا تركوا بمصر * (من جنات وعيون) *.
* (وزروع ومقام كريم) *.
* (وزروع ومقام كريم) * حسن شريف في بابه، وأريد بذلك كما روى عن قتادة المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس. وابن مردويه عن جابر أنه أريد به المناب، ر وروى ذلك عن مجاهد وابن جبير أيضا، وقيل: السرر في الحجال والأول أولى، وقرأ ابن هرمز. وقتادة. وابن السميقن. ونافع في رواية خارجة * (مقام) * بضم الميم.
* (ونعمة كانوا فيها فاكهين) *.
* (ونعمة) * أي تنعم، قال الراغب: النعمة بالفتح التنعم وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة والنعمة بالكسر الحالة الحسنة وبناؤها بناء التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة وتقال للجنس الصادق بالقليل والكثير واختير ههنا تفسير النعمة بالشيء المنعم به لأنه أنسب للترك وهي كثيرا ما تكون بهذا المعنى.
وقرأ أبو رجاء * (ونعمة) * بالنصب وخرج بالعطف على * (كم) *، وقيل: هي معطوفة على محل ما قبلها كأنه قيل: كم تركوا جنات وعيونا وزروعا ومقاما كريما ونعمة * (كانوا فيها فاكهين) * طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة ففاكه كلابن وتامر، وقال القشيري: لاهين، وقرأ الحسن. وأبو رجاء * (فكهين) * بغير ألف والفكه يستعمل كثيرا في المستخف المستهزىء فالمعنى مستخفين بشكر النعمة التي كانوا فيها.
وقال الجوهري؛ فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان مزاحا والفكه أيضا الأشر.
* (كذالك) * قال الزجاج: المعنى الأمر كذلك، والمراد التأكيد والتقرير فيوقف على ذلك فالكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف أو الجار والمجرور كذلك، وقيل: الكاف في موضع نصب أي نفعل فعلا كذلك لمن نريد إهلاكه، وقول الكلبي: أي كذلك أفعل بمن عصاني ظاهرا فيما ذكر، وقال الزمخشري: الكاف منصوبة على معنى مثل ذلك الإخراج أي المفهوم مما تقدم أخرجناهم منها * (وأورثناها قوما ءاخرين) * عطف على تركوا والجملة معترضة فيما عدا القول الأخير وعلى أخرجناهم فيه، وقيل: الكاف منصوبة على معنى تركوا تركا مثل ذلك فالعطف على * (تركوا) * بدون اعتراض وهو كما ترى، والمراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل وهم مغايرون للقبط جنسا ودينا. ويفسر ذلك قوله تعالى في سورة (الشعراء: 59) * (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) * وهو ظاهر في أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وملكوها وبه قال الحسن.
وقيل: المراد بهم غير بني إسرائيل ممن ملك مصر بعد هلاك القبط وإليه ذهب قتادة قال: لم يرد في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر ولا أنهم ملكوها قط وأول ما في سورة الشعراء بأنه من باب * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) * (فاطر: 11) وقولك: عندي درهم ونصفه فليس المراد خصوص ما تركوه
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»