تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٣٠
وفي شرح قصيدة ابن عبدون أن الرائش لقب الحرث بن بدر أحد التبابعة، وهو قبل أسعد المتقدم ذكره بزمان طويل جدا، وهو أيضا ممن ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم في شعره فقال: ويملك بعدهم رجل عظيم * نبي لا يرخص في الحرام يسمى أحمدا يا ليت أني * أعمر بعد مخرجه بعام ثم إن ملكه الدنيا كلها غير مسلم، وبالجملة الأخبار مضطربة في أمر التبابعة وأحوالهم وترتيب ملوكهم بل قال صاحب تواريخ الأمم: ليس في التواريخ أسقم من تاريخ ملوك حمير لما يذكر من كثرة عدد سنينهم مع قلة عدد ملوكهم فإن ملوكهم ستة وعشرون ومدتهم ألفان وعشرون سنة. وقال بعض: إن مدتهم ثلاثة آلاف واثنان وثمانون سنة ثم ملك من بعدهم اليمن الحبشة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، والقدر المعول عليه ههنا أن تبعا المذكور هو أسعد أبو كرب وأنه كان مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم وكان على دين إبراهيم عليه السلام ولم يكن نبيا، وحكاية نبوته عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تصح، وإخباره بمبعثه صلى الله عليه وسلم لا يقتضيها لأنه علم ذلك من أحبار اليهود وهم عرفوه من الكتب السماوية.
وما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال: ما أدري أكان تبع نبيا أو غير نبي لم يثبت، نعم روى أبو داود. والحاكم أنه عليه الصلاة والسلام قال: " ما أدري أذو القرنين هو أم لا " وليس فيه ما يدل على التردد في نبوته وعدمها فإن ذا القرنين ليس بنبي على الصحيح، ثم إن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام درى بعد أنه ليس ذا القرنين.
وقال قوم: ليس المراد بتبع هاهنا رجلا واحدا إنما المراد ملوك اليمن، وهو خلاف الظاهر والأخبار تكذبه، ومعنى تبع متبوع فهو فعل بمعنى مفعول وقد يجىء هذا اللفظ بمعنى فاعل كما قيل للظل تبع لأنه يتبع الشمس، ويقال لملوك اليمن أقيال من يقيل فلان أباه إذا اقتدى به لأنهم يقتدى بهم، وقيل: سمى ملكهم قيلا لنفوذ أقواله وهو مخفف قيل كميت.
* (والذين من قبلهم) * أي قبل قوم تبع كعاد. وثمود أو قبل قريش فهو تعميم بعد تخصيص * (أهلكناهم) * استئناف لبيان عاقبة أمرهم هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو بدونه من الضمير المستتر في الصلة أو خبر عن الموصول إن جعل مبتدأ ولم يعطف على ما قبله * (إنهم كانوا مجرمين) * تعليل لإهلاكهم أي أهلكناهم بسبب كونهم مجرمين فليحذر كفار قريش الإهلاك لإجرامهم.
* (وما خلقنا السم‍اوات والارض وما بينهما ل‍اعبين) *.
* (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما) * أي ما بين الجنسين وهو شامل لما بين الطبقات.
وقرأ عبيد بن عمير * (وما بينهن) * فالضمير لمجموع السموات والأرض * (لاعبين) * أي عابثين وهو دليل على وقوع الحشر كما مر في الأنبياء وغيرها.
* (ما خلقن‍اهمآ إلا بالحق ول‍اكن أكثرهم لا يعلمون) *.
* (ما خلقناهما) * أي وما بينهما * (إلا بالحق) * استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما خلقناهما ملتبسين بشيء من الأشياء إلا ملتبسين بالحق فالجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل، وجوز أن يكون في موضع الحال من المفعول، والباء للملابسة فيهما، وجوز أن
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»