تكون للسببية، والاستثناء مفرغ من أعم الأسباب أي ما خلقناهما بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق الذي هو الإيمان والطاعة والبعث والجزاء والملابسة أظهر * (ولاكن أكثرهم لا يعلمون) * تذييل وتجهيل فخيم لمنكري الحشر وتوكيد لأن إنكارهم يؤدي إلى إبطال الكائنات بأسرها * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) * (النور: 15 ) ولهذا قال المؤمنون: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) * (آل عمران: 191).
* (إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين) *.
* (إن يوم الفصل) * أي فصل الحق عن الباطل والمحق عن المبطل بالجزاء أو فصل الشخص عن أحبابه وذوي قرابته * (ميقاتهم) * وقت وعدهم * (أجمعين) * وقرىء * (ميقاتهم) * بالنصب على أنه اسم إن والخبر * (يوم الفصل) * أي إن ميعاد حسابهم وجزائهم في يوم الفصل وليس مثل إن حراسنا أسدا.
* (يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون) *.
* (يوم لا يغني) * * (بدل من يوم الفصل) * أو عطف بيان عند من لا يشترط المطابقة تعريفا وتنكيرا، وجوز نصبه بأعني مقدرا وأن يكون ظرفا لما دل عليه الفصل لا له للفصل بينه وبينه بأجنبي، وهو مصدر لا يعمل إذا فصل لضعفه أوله على قول من اغتفر الفصل إذا كان المعمول ظرفا كابن الحاجب. والرضى، وجوز أبو البقاء كونه صفة لميقاتهم. وتعقب بأنه جامد نكرة لإضافته للجملة فكيف يكون صفة للمعرفة مع أنه لا يصح بناؤه عند البصريين إذا أضيف إلى جملة صدرها معرب وهو المضارع أي يوم لا يجزى * (مولى عن مولى شيئا) * من الإغناء أي الإجزاء، فشيئا منصوب على المصدرية ويجوز كونه مفعولا به، ويغني بمعنى يدفع وينفع. وتنكير * (شيئا) * للتقليل، والمولى الصاحب الذي من شأنه أن يتولى معونة صاحبه على أموره فيدخل في ذلك ابن العم والحليف والعتيق والمعتق وغيرهم، وذكر الخفاجي أنه من الولاية وهي التصرف فيشمل كل من يتصرف في آخر لأمر ما كقرابة وصداقة وهو قريب مما ذكرنا. وأيا ما كان فليس ذلك من استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد، ولو سلم أن هناك مشتركا استعمل في أكثر من معنى كانت الآية دليلا لابن الهمام عليه الرحمة في جواز ذلك في النفي فيقال عنده: ما رأيت عينا ويراد العين الباصرة وعين الذهب وغيرها ويعلم من نفى إغناء المولى نفى إغناء غيره من باب أولى.
* (ولا هم ينصرون) * الضمير عند جمع للمولى الأول؛ والجمع باعتبار المعنى لأنه نكرة في سياق النفي وهي تعم دون الثاني لأنه أفيد وأبلغ لأن حال المولى الثاني نصرته معلوم من نفي الإغناء السابق، ولأنه إذا لم ينصر من استند إليه فكيف هو، وأيضا وجه جمع الضمير فيه أظهر، وجوز عوده على الثاني للدلالة على أنه لا ينصره غير مولاه وهو في سياق النفي أيضا وإن لم يكن في ذلك بمرتبة الأول. نعم قيل في وجه الجمع: عليهما؛ إن النكرة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يرجع الضمير لها جمعا.
وأجيب بأنه لا يطرد لأنها قد تحمل على المجموع بقرينة عود ضمير الجمع عليها، ولعل الأولى عود الضمير على المولى المفهوم من النكرة المنفية، وقال بعض: لو جعل الضمير للكفار كضمير * (ميقاتهم) * كثرت الفائدة وقلت المؤنة فتأمل.
* (إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم) *.
* (إلا من رحم الله) * في محل رفع على أنه بدل من ضمير * (ينصرون) * أو في محل نصب على الاستثناء منه أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمه الله تعالى وذلك بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه.
وجوز كونه بدلا أو استثناء من * (مولى) * وفيه كما في الأول دليل على ثبوت الشفاعة لكن الرجحان للأول لفظا ومعنى؛ والاستثناء من أي كان متصل، وقال الكسائي: إنه منقطع أي لكن من رحمه الله تعالى