تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٢٧
الدنيوية لا يعبر عنه بالموتة لأن * (فيها) * لمكان بناء المرة إشعارا بالتجدد والموت السابق مستصحب لم تتقدمه حياة مدفوع كما قال " صاحب الكشف "، ثم أنه لا يلزم من تفسير الموتة الأولى بما بعد الحياة في قوله تعالى: * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * (الدخان: 56) تفسيرها بذلك هنا لأن إيقاع الذوق عليها هناك قرينة أنها التي بعد الحياة الدنيا لأن ما قبل الحياة غير مذوق، ومع هذا كله الإنصاف إن حمل الموتة الأولى هنا أيضا على التي بعد الحياة الدنيا أظهر من حملها على ما قبل الحياة من العدم بل هي المتبادرة إلى الفهم عند الإطلاق المعروفة بينهم، وأمر الوصف بالأولى على ما سمعت أولا.
وقيل: إنهم وعدوا بعد هذه الموتة موتة القبر وحياة البعث فقوله تعالى عنهم: * (إن هي إلا موتتنا الأولى) * رد للموتة الثانية وفي قوله سبحانه: * (وما نحن بمنشرين) * نفي لحياة القبر ضمنا إذ لو كانت بدون الموتة الثانية لثبت النشر ضرورة.
* (فأتوا باابآئنا إن كنتم ص‍ادقين) *.
* (فأتوا بآبائنا) * خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين أي فأتوا لنا بمن مات من آبائنا * (إن كنتم صادقين) * في وعدكم ليدل ذلك على صدقكم ودلالة الايقان إما لمجرد الإحياء بعد الموت وإما بأن يسألوا عنه، قيل: طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله تعالى فيحيي لهم قصي بن كلاب ليشاوروه في صحة النبوة والبعث إذ كان كبيرهم ومستشارهم في النوازل.
* (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكن‍اهم إنهم كانوا مجرمين) *.
* (أهم خير) * في القوة والمنعة * (أمح قوم تبع) * هو تبع الأكبر الحميري واسمه أسعد بهمزة، وفي بعض الكتب سعد بدونها وكنيته أبو كرب وكان رجلا صالحا. أخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: كان تبع رجلا صالحا ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه، وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما، وأخرج أحمد. والطبراني. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم " وأخرج ابن عساكر. وابن المنذر. عن ابن عباس قال: سألت كعبا عن تبع فإني أسمع الله تعالى يذكر في القرآن قوم تبع ولا يذكر تبعا فقال: إن تبعا كان رجلا من أهل اليمن ملكا منصورا فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند فرجع فأخذ طريق الشام فأسر بها أحبارا فانطلق بهم نحو اليمن حتى إذا دنا من ملكه طار في الناس أنه هادم الكعبة فقال له الأحبار: ما هذا الذي تحدث به نفسك فإن هذا البيت لله تعالى وإنك لن تسلط عليه فقال: إن هذا لله تعالى وأنا أحق من حرمه فأسلم من مكانه وأحرم فدخلها محرما فقضي نسكه ثم انصرف نحو اليمن راجعا حتى قدم على قومه فدخل عليه أشرافهم فقالوا: يا تبع أنت سيدنا وابن سيدنا خرجت من عندنا على دين وجئت على غيره فاختر منا أحد أمرين إما تخلينا وملكنا وتعبد ما شئت وإما أن تذر دينك الذي أحدثت وبينهم يومئذ نار تنزل من السماء فقال الأحبار عند ذلك: اجعل بينك وبينهم النار فتواعد القوم جميعا على أن يجعلوها بينهم فجيء بالأحبار وكتبهم وجيء بالأصنام وعمارها وقدموا جميعا إلى النار وقامت الرجال خلفهم بالسيوف فهدرت النار هدير الرعد ورمت شعاعا لها فنكص أصحاب الأصنام وأقبلت النار وأحرقت الأصنام وعمارها وسلم الآخرون فأسلم قوم واستسلم قوم فلبثوا بعد ذلك عمر تبع حتى إذا نزل بتبع الموت استخلف أخاه وهلك فقتلوا أخاه وكفروا صفقة واحدة، وفي رواية عن ابن عباس أن تبعا لما أقبل من الشرق بعد أن حير الحيرة أي بناها ونظم أمرها - وهي بكسر الحاء المهملة وياء ساكنة مدينة بقرب الكوفة -
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»