تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١١٢
ابتداء السنة المحرم أو شهر ربيع الأول لأنه ولد فيه صلى الله عليه وسلم ومنه اعتبر التاريخ في حياته عليه الصلاة والسلام إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وهو الأصح، وقد كان الوحي إليه صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين سنة من مدة عمره عليه الصلاة والسلام على المشهور من عدة أقوال فكيف يكون ابتداء الإنزال في ليلة القدر من شهر رمضان أو في ليلة البراءة من شعبان.
وأجيب بأن ابتداء الوحي كان مناما في شهر ربيع الأول ولم يكن بأنزال شيء من القرآن والوحي يقظة من الإنزال كان في يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان، وقيل لسبع منه، وقيل لأربع وعشرين ليلة منه، وأنت تعلم كثرة اختلاف الأقوال في هذا المقام فمن يقول باتبداء أنزاله في شهر يلتزم منها ما لا يأباه.
واختلف في أول ما نزل منه، ففي " صحيح مسلم " أنه * (يا أيها المدثر) * (المدثر: 1) وتعقبه النووي في شرحه فقال: إنه ضعيف بل باطل والصواب أن أول ما نزل على الأطلاق * (اقرأ باسم ربك) * (العلق: 1) كما صرح به في حديث عائشة، وأما * (يا أيها المدثر) * فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة. عن جابر.
وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يكذر اه‍ والكلام في ذلك مستوفى في الاتقان فليرجع إليه من أراده.
ووصف الليلة بالبركة لما أن إنزال القرآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وفضيلة العبادة أو لما فيها من ذلك وتقدير الأرزاق وفصل الأقصية كالآجال وغيرها وإعطاء تمام الشفاعة له عليه الصلاة والسلام، وهذا بناء على أنها ليلة البراءة، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم سأل ليلة الثالق عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد على الله تعالى شراد البعير، وأيا ما كان فقد قيل: إن التعليل إنما يحتاج إليه بناء على القول بما اختاره العز بن عبد السلام من أن الأمكنة والأزمنة كلها متساوية في حد ذاتها لا يفضل بعضها بعضا إلا بما يقع فيها من الأعمال ونحوها، وزاد بعضهم أو يحل لتدخل البقعة التي ضمته صلى الله عليه وسلم فإنها أفضل البقاع الأرضية والسماوية حتى قيل وبه أقول إنها أفضل من العرش.
والحق أنه لا يبعد أن يخص الله سبحانه بعضها بمزيد، تشريف حتى يصير ذلك داعيا إلى إقدام المكلف على الأعمال فيها أو لحكمة أخرى، وجملة * (إنا أنزلناه) * جواب القسم، وفي ذلك مبالغة نحو ما في قوله: وثناياك أنها إغريض وقوله تعالى: * (إنصا كنا منذرين) * استئناف يبين المقتضى للإنزال، وقوله تعالى:
* (فيها يفرق كل أمر حكيم) *.
* (فيها يفرق كل أمر حكيم) * استئناف أيضا لبيان التخصيص بالليلة المباركة فكأنه قيل: أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب وكان إنزاله في تلك الليلة المباركة لأنه من الأمور الدالة على الحكم البالغة وهي ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم ففي الكلام لف ونشر، واشتراط أن يكون كل منهما بجملتين مستقلتين مما لا داعي إليه، وقيل: إن جملة * (فيها يفرق) * الخ صفة أخرى لليلة وما بينهما اعتراض لا يضر الفصل به بل لا يعد الفصل به فصلا، وقيل إن قوله تعالى: * (إنا كنا منذرين) * هو جواب القسم وما بينهما اعتراض وإليه ذهب ابن عطية زاعما أنه لا يجوز جعل * (إنا أنزلناه) * جوابا له لما فيه من القسم بالشيء على نفسه.
واعترض بأن قوله تعالى: * (فيها يفرق كل أمر حكيم) * يكون حينئذ من تتمة الاعتراض فلا يحسن تأخره عن
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»