تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١١٨
فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعا فشكا الناس كثرة المطر فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقى الناس حولهم قال: فقد مضت آية الدخان وهو الجوع الذي أصابهم الحديث، وظاهره يدل كما في تاريخ ابن كثير على أن القصة كانت بمكة فالآية مكية.
وفي بعض الروايات أن قصة أبي سفيان كانت بعد الهجرة فلعلها وقعت مرتين، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في سورة المؤمنين.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج أنه قال في هذا الدخان: كان في يوم فتح مكة وفي " البحر " عنه أنهق ال: * (يوم تأتي السماء) * وهو يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة، وفي رواية ابن سعيد أن الأعرج يروي عن أبي هريرة أنه قال: كان يوم فتح مكة دخان، وهو قول الله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * ويحسن على هذا القول أن يكون كناية عما حل بأهل مكة في ذلك اليوم من الخوف والذل ونحوهما، وقال علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عمر. وابن عباس. وأبو سعيد الخدري. وزيد بن علي. والحسن: إنه دخان يأتي من السماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ويعتري المؤمن كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص.
وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان مرفوعا أول الآيات الدجال ونزول عيسى ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا والدخان، قال حذيفة: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * وقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره، فالدخان على ظاهره والمعنى فارتقب يوم ظهور الدخان.
وحكى السفاريني في " البحور الزاخرة " عن ابن مسعود أنه كان يقول: هما دخانان مضى واحد والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض ولا يصيب المؤمن إلا بالزكمة وأما الكافر فيشق مسامعه فيبعث الله تعالى عند ذلك الريح الجنوب من اليمن فتقبض روح كل مؤمن ويبقى شرار الناس، ولا أظن صحة هذه الرواية عنه.
وحمل ما في الآية على ما يعم الدخانين لا يخفى حاله، وقيل: المراد بيوم تأتي السماء الخ يوم القيامة فالدخان يحتمل أن يراد به الشدة والشر مجازا وأن يراد به حقيقته.
وقال الخفاجي: الظاهر عليه أن يكون قوله تعالى: * (تأتي السماء) * إلى آخره استعارة تمثيلية إذ لا سماء لأنه يوم تشقق فيه السماء فمفرداته على حقيقتها، وأنت تعلم أنه لا مانع من القول بأن السماء كما سمعت أولا بمعنى جهة العلو سلمنا أنها بمعنى الجرم المعروف لكن لا مانع من كون الدخان قبل تشققها بأن يكون حين يخرج الناس من القبور مثلا بل لا مانع من القول بأن المراد من إتيان السماء بدخان استحالتها إليه بعد تشققها وعودها إلى ما كانت عليه أولا كما قال سبحانه: * (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) * (فصلت: 11) ويكون فناؤها بعد صيرورتها دخانا. / جسم] هذا والأظهر حمل الدخان على ما روي عن ابن مسعود أولا لأنه أنسب بالسياق لما أنه في كفار قريش وبيان سوء حالهم مع أن في الآيات بعد ما هو أوفق به، فوجه الربط أنه سبحانه لما ذكر من حالهم مقابلتهم الرحمة بالكفران وأنهم لم ينتفعوا بالمنزل والمنزل عليه عقب بقوله تعالى شأنه: * (فارتقب يوم) * الخ، للدلالة على أنهم
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»