الظلم بعيدا كان عن الظلم نفسه أبعد، وحيث نكر الظلم كأنه نفي أن يريد ظلما ما لعباده، وجوز الزمخشري أن يكون معناه كمعنى قوله تعالى: * (ولا يرضى لعباده الكفر) * (الزمر: 7) أي لا يريد سبحانه لهم أن يظلموا يعني أنه عز وجل دمرهم لأنهم كانوا ظالمين، ولا يخفى أن هذا المعنى مرجوح لفظا ومعنى، ثم لا حجة فيه للمعتزلة لثبوت الفرق بين أراده منه وأراده له فلو سلم أنه سبحانه لا يريد لهم أن يظلمو لم يلزم أن لا يريده منهم والممتنع عند أهل السنة هو هذا فلا احتياج إلى صرف الآية عن الظاهر عندهم أيضا.
* (وياقوم إنىأخاف عليكم يوم التناد) *.
* (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) * خفهم بالعذاب الأخروي بعد تخويفهم بالعذاب الدنيوي، والتناد مصدر تنادي القوم أي نادي بعضهم بعضا، ويوم التناد يوم القيامة سمي بذلك لأنه ينادي فيه بعضهم بعضا للاستغاثة أو يتصايحون فيه بالويل والثبور أو لتنادي أهل الجنة وأهل النار كما حكي في سورة الأعراف أو لأن الخلق ينادون إلى المحشر أو لنداء المؤمن * (هاؤم اقرؤوا كتابيه) * (الحاقة: 19) والكافر * (ليتني لم أوت كتابيه) * (الحاقة: 25).
وعن ابن عباس أن هذا التنادي هو التنادي الذي يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضا، وروي هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عطية: يحتمل أن يراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة.
وقرأت فرقة * (التناد) * بسكون الدال في الوصل إجراء له مجرى الوقف. وقرأ ابن عباس. والضحاك. وأبو صالح. والكلبى. والزعفراني. وابن مقسم * (التناد) * بتشديد الدال من ند البعير إذا هرب أي يوم الهرب والفرار لقوله تعالى: * (يوم يفر المرء من أخيه) * (عيسى: 34) الآية، وفي الحديث إن للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مهربا.
وقيل: المراد به يوم الاجتماع من ندا إذا اجتمع ومنه النادي.
* (يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) *.
* (يوم تولون مدبرين) * بدل من يوم التناد أي يوم تولون عن الموقف منصرفين عنه إلى النار، وقيل: فارين من النار، فقد روي أنهم إذا سمعوا زفير النار هربوا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا فلا ينفعهم الهرب، ورجح هذا القول بأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطا بقوله تعالى: * (معا لكم من الله من عاصم) * أي يعصمكم في فراركم حتى لا تعذبوا في النار قاله السدى، وقال قتادة: أي ما لكم في الانطلاق إلى النار من مانع يمنعكم منها أو ناصر، وهذا ما يقال على المعنى الأول - ليوم تولون مديرين - وأيا ما كان فالجملة حال أخرى من ضمير * (تولون) *.
* (ومن يضلل الله فما له من هاد) * يهديه إلى طريق النجاه أصلا، وكأن الرجل يئس من قبولهم نصحه فقال ذلك ثم وبخهم على تكذيب الرسل السالفين فقال:
* (ولقد جآءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم فى شك مما جآءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) *.
* (ولقد جاءكم يوسف) * بن يعقوب عليهما السلام * (من قبل) * أي من قبل موسى * (بالبينات) * الأمور الظاهرة الدالة على صدقه * (فما زلتم في شك مما جاءكم به) * من الدين * (حتى إذا هلك) * بالموت * (قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) * غاية لقوله: * (فما زلتم) * وأرادوا بقولهم: * (لن يبعث الله من بعده رسولا) * تكذيب رسالته ورسالة غيره أي لا رسول فيبعث فهم بعد الشك بتوا بهذا التكذيب ويكون ذلك ترقيا.
ويجوز أن يكون الشك في رسالته على حاله وبتهم إنما هو بتكذيب رسالة غيره من بعده، وقيل: يحتمل أن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدا وعنادا علما مات عليه السلام أقروا بها وانكروا أن يبعث