تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٦٣
أمر دينكم بالتبديل أو يفسد عليكم أمر دنياكم بالتعطيل وهما أمران كل منهما مر، ونحو هذا يقال على المعنى الثاني للدين، وعن قتادة أن اللعين عنى بالفساد طاعة الله تعالى: وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو * (وأن) * بالواو الواصلة.
وقرأ الأعرج. والأعمش. وابن وثاب. وعيسى. وابن كثير. وابن عامر. والكوفيون غير حفص * (يظهر) * بفتح الياء والهاء * (الفساد) * بالرفع. وقرأ مجاهد * (يظهر) * بتشديد الظاء والهاء * (الفساد) * بالرفع. وقرأ زيد بن علي * (يظهر) * بضم الياء وفتح الهاء مبنيا للمفعول * (الفساد) * بالرفع.
* (وقال موسى إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) *.
* (وقال موسى) * لما سمع بما أجراه اللعين من حديث قتله * (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) * قاله عليه السلام مخاطبا به قومه على ما ذهب إليه غير واحد، وذلك أنه لما كان القول السابق من فرعون خطابا لقومه على سبيل الاستشارة وإجالة الرأي لا بمحضر منه عليه السلام كان الظاهر أن موسى عليه السلام أيضا خاطب قومه لا فرعون وحاضريه بذلك، ويؤيده قوله تعالى: في الأعراف * (وقال موسى لقومه استعينوا) * (الأعراف: 128) في هذه القصة بعينها، وقوله تعالى هنا: * (وربكم) * فإن فرعون ومن معه لا يعتقدون ربوبيته تعالى واردة أنه تعالى كذلك في نفس الأمر لا يضر في كونه مؤيدا لأن التأييد مداره الظاهر، وصدر الكلام بأن تأكيدا وتنبيها على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله تعالى، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ، والتربية وأضافه إليه وإليهم حثا لهم على موافقته في العياذ به سبحانه والتوجه التام بالروح إليه جل شأنه لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة، وهذا هو الحكمة في مشروعية الجماعة في العبادات، و * (من كل) * على معنى من شر كل وأراد بالتكبر الاستكبار عن الإذعان للحق وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة ومهانة نفسه وعلى فرط ظلمه وعسفه، وضم إليه عدم الإيمان بيوم الجزاء ليكون أدل وأدل، فمن اجتمع فيه التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله تعالى وعباده ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها، واختير المنزل دون منه سلوكا لطريق التعريض لأنه كلام وارد في عرضهم فلا يلبسون جلد النمر إذا عرض عليهم مع ما في ذلك من الدلالة على علة الاستعاذة ورعاية حق تربية اللعين له عليه السلام في الجملة. وقرأ أبو عمرو. وحمزة. والكسائي * (عت) * بإدغام الذال المعجمة في التاء بعد قلبها تاء.
* (وقال رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم إيم‍انه أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جآءكم بالبين‍ات من ربكم وإن يك ك‍اذبا فعليه كذبه وإن يك ص‍ادقا يصبكم بعض الذى يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب) *.
* (وقال رجل مؤمن من ءال فرعون) * قيل كان قبطيا ابن عم فرعون وكان يجري مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل: كان إسرائيليا، وقيل: كان غريبا ليس من الفئتين، ووصفه على هذين القولين بكونه من آل فرعون باعتبار دخوله في زمرتهم وإظهار أنه على دينهم وملتهم تقية وخوفا، ويقال نحو هذا في الإضافة في مؤمن آل فرعون الواقع في عدة أخبار، وقيل: * (من آل فرعون) * على القولين متعلق بقوله تعالى: * (يكتم إيمانه) * والتقديم للتخصيص أي رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون دون موسى عليه السلام ومن اتبعه، ولا بأس على هذا في الوقف على مؤمن. واعترض بأن كتم يتعدى بنفسه دون من فيقال: كتمت فلانا كذا دون كتمت من فلان قال الله تعالى: * (ولا يكتمون الله حديثا) * وقال الشاعر: كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا * وهمين هما مستكنا وظاهرا أحاديث نفس تشتكي ما يريبها * وورد هموم لن يجدن مصادرا وأراد على ما في " البحر " كتمتك أحاديث نفس وهمين، وفيه أنه صرح بعض اللغويين بتعديه بمن أيضا قال
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»