تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٧٠
ونحن لا سبيل لنا إلى صعود السماوات فكيف يمكننا أن نراه، وللمبالغة في بيان عدم الإمكان قال: * (يا هامان ابن لي صرحا) * فما هو ألا لاظهار عدم إمكان ما ذكر لكل أحد، ولعل لا تأبى ذلك لأنها للتهكم على هذا وهي شبهة في غاية الفساد إذ لا يلزم من انتفاء أحد طرق العلم بالشيء انتفاء ذلك الشيء، ورأيت لبعض السلفيين إن اللعين ما قال ذلك إلا لأنه سمع من موسى عليه السلام أو من أحد من المؤمنين وصف الله تعالى بالعلو أو بأنه سبحانه في السماء فحمله على معنى مستحيل في حقه تعالى لم يرده موسى عليه السلام ولا أحد من المؤمنين فقال ما قال تهكما وتمويها على قومه، وللإمام في هذا المقام كلام رد به على القائلين بأن الله تعالى في السماء ورد احتجاجهم بما أشعرت به الآية على ذلك وسماهم المشبهة، والبحث في ذلك طويل المجال والحق مع السلف عليهم رحمة الملك المتعال وحاشاهم ثم حاشاهم من التشبيه، وقوله: * (وإني لأظنه كاذبا) * يحتمل أن يكون عني به كاذبا في دعوى الرسالة وأن يكون عني به كاذبا في دعوى أن له إلها غيري لقوله: * (ما علمت لكم من إله غيري) *.
* (وكذالك) * أي ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط * (زين لفرعون سوء عمله) * فانهمك فيه انهماكا لا يرعوى عنه بحال * (وصد عن السبيل) * أي عن سبيل الرشاد، فالتعريف للعهد والفعلان مبنيان للمفعول والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى، ولم يفعل سبحانه كلا من التزيين والصد إلا لأن فرعون طلبه بلسان استعداده واقتضى ذلك سوء اختياره؛ ويدل على هذا أنه قرىء * (زين) * مبنيا للفاعل ولم يسبق سوى ذكره تعالى دون الشيطان.
وجوز أن يكون الفاعل الشيطان ونسبة الفعل إليه بواسطة الوسوسة، وقرأ الحجازيان. والشامي. وأبو عمرو * (وصد) * بالبناء للفاعل وهو ضمير فرعون على أن المعنى وصد فرعون الناس عن سبيل الرشاد بأمثال هذه التمويهات والشبهات، ويؤيده * (وما كيد فرعون إلا في تباب) * أي في خسار لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد وهو في هذه القراءة أظهر، وقرأ ابن وثاب * (وصد) * بكسر الصاد أصله صدد نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها، وابن أبي إسحق. وعبد الرحمن بن أبي بكرة * (وصد) * بفتح الصاد وضم الدال منونة عطفا على * (سوء عمله) *، وقرىء * (وصدوا) * بواو الجمع أي هو وقومه.
* (وقال الذىءامن ياقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) *.
* (وقال الذي ءامن) * هو مؤمن آل فرعون، وقيل: فيه نظير ما قيل في سابقه أنه موسى عليه السلام وهو ضعيف كما لا يخفى * (يا قوم اتبعون) * فيما دللتكم عليه * (أهدكم سبيل الرشاد) * سبيلا يصل به سالكه إلى المقصود، وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي. وقرأ معاذ بن جبل كما في البحر * (الرشاد) * بتشديد الشين وتقدم الكلام في ذلك فلا تغفل.
* (ياقوم إنما ه‍اذه الحيواة الدنيا مت‍اع وإن الاخرة هى دار القرار) *.
* (يا قوم إنما ه‍اذه الحياة الدنيا متاع) * أي تمتع أو متمتع به يسير لسرعة زواله * (وإن الآخرة هي دار القرار) * لخلودها ودوام ما فيها.
* (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل ص‍الحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأول‍ائك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) *.
* (من عمل سيئة) * في الدنيا * (فلا يجزى) * في الآخرة * (إلا مثلها) * عدلا من الله عز وجل، واستدل به على أن الجنايات تغرم بمثلها أي بوزانها من غير مضاعفة * (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأول‍ائك) * الذين عملوا ذلك * (يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) * بغير تقدير وموازنة بالعمل بل اضعافا مضاعفة فضلا منه تعالى ورحمة، وقسم العمال إلى ذكر وأنثى للاهتمام والاحتياط في الشمول لاحتمال نقص الاناث، وجعل الجزاء في جزاء أعمالهم جملة اسمية مصدرة باسم الإشارة مع تفضيل الثواب وتفصيله تغليبا للرحمة وترغيبا فيما
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»