تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٥٦
لفظ الوحي للإشارة إلى أن اختصاص حياة القلوب بالوحي من جهتي التخلي والتحلي الحاصلين بالامتثال والانتهاء.
وعن ابن عباس تفسير الأمر بالقضاء فجعلت * (من) * ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالا من * (الروح) * أي ناشئا من أمره أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من أمره، وفسره بعضهم بالملك وجعل * (من) * ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالا أو صفة على ما ذكر آنفا، وكون الملك مبدأ للوحي لتلقيه عنه، ومن فسر الروح بجبريل عليه الصلاة والسلام قال: * (من) * سببية متعلقة - بيلقى - والمعنى ينزل الروح من أجل تبليغ أمره * (على من يشاء من عباده) * وهو الذي اصطفاه سبحانه لرسالته وتبليغ أحكامه إليهم، والاستمرار التجددي المفهوم من * (يلقى) * ظاهر فإن الإلقاء لم يزل من لدن آدم عليه السلام إلى انتهاء زمان نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو في حكم المتصل إلى قيام الساعة بإقامة من يقوم بالدعوة على ما روى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " أي بإحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، وأمر ذلك التجدد على ما جوزه ابن عطية لا يحتاج إلى ما ذكر. وقرىء * (رفيع) * بالنصب على المدح * (لينذر) * علة للالقاء، وضميره المستتر لله تعالى أو لمن وهو الملقى إليه أو للروح أو للأمر، وعوده على الملقى إليه وهو الرسول أقرب لفظا ومعنى لقرب المرجع وقوة الإسناد فإنه الذي ينذر الناس حقيقة بلا واسطة، واستظهر أبو حيان رجوعه إليه تعالى لأنه سبحانه المحذف عنه، وقوله تعالى: * (يوم التلاق) * مفعول - لينذر - أو ظرف والمنذر به محذوف أي لينذر العذاب أو نحو يوم التلاق [بم وقوله سبحانه:
* (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شىء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) *.
* (يوم هم بارزون) * بدل من * (يوم التلاق) * و * (هم) * مبتدأ و * (بارزون) * خبر والجملة في محل جر بإضافة * (يوم) * إليها، وقيل: وهذا تخريج على مذهب أبي الحسن من جواز إضافة الظرف المستقبل كاذا إلى الجملة الاسمية نحو اجيئك إذا زيد ذاهب، وسيبويه لا يجوز ذلك ويوجب تقدير فعل بعد الظرف يكون الاسم مرتفعا به، وجوز أن يكون * (يوم) * ظرفا لقوله تعالى: * (لا يخفى على الله منهم شيء) * والظاهر البدلية، وهذه الجملة استئناف لبيان بروزهم وتقرير له وإزاحة لما كان يتوهمه بعض المتوهمين في الدنيا من الاستتار توهما باطلا، وجوز أن تكون خبرا ثانيا - لهم -.
وقيل: هي حال من ضمير * (بارزون) * و * (يوم التلاق) * يوم القيامة سمي بذلك قال ابن عباس: لالتلقاء الخلائق فيه، وقال مقاتل: للالتقاء الخالق والمخلوق فيه. وحكاه الطبرسي عن ابن عباس، وقال السدي: لالتقاء أهل السماء وأهل الأرض؛ وقال ميمون بن مهران: لالتقاء الظالم والمظلوم، وحكى الثعلبي أن ذلك لالتقاء كل امرء وعمله، واختار بعض الأجلة ما قال مقاتل وقال: هو أولى الوجوه لما فيه من حل المطلق على ما ورد في كثير من المواضع نحو * (فمن كان يرجو لقاء له) * (الكهف: 110) * (إن الذين لا يرجون لقاءنا) * (يونس: 7) * (وقال الذين لا يرجون لقاءنا) * (الفرقان: 21).
وقال " صاحب الكشف ": القول الأول وهو ما نقل عن ابن عباس أولا أشبه لجريان الكلام فيه على الحقيقة ونفي ما يتوهم من المساواة بين الخالق والمخلوق واستقلال كل من البدلين بفائدة التهويل لما في الأول من تصوير تلاقي الخلائق على اختلاف أنواعها، وفي الثاني من البروز لمالك أمرها بروزا لا يبقى لأحد فيه شبهة.
وأما نحو قوله تعالى: * (لقاء ربه) * فمسوق بمعنى آخر، و * (بارزون) * من برز وأصله حصل في براز أي
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»