تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٦٥
ولا يتعين فيه ذلك كما لا يخفى، وعن أبي عبيدة أنه فسر البعض بالكل أيضا وأنشد قول لبيد: تراك أمكنة إذا لم أرضها * أو يرتبط بعض النفوس حمامها حمل البيت على معنى لا أزال أنتقل في البلاد إلى أن لا يبقى أحد أقصده من العباد، والمحققون على أن البعض فيه على ظاهره والمراد به نفسه، والمعنى لا أزال أترك ما لم أرضه من الأمكنة إلا أن أموت، وقال الزمخشري: إن صحت الرواية عن أبي عبيدة في ذلك فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقي كان أجفى من أن يفقه ما أقول له، وفيه مبالغة في الرد * (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) * احتجاج آخر ذو وجهين. أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات. وثانيهما إن كان كذلك خذ له الله تعالى وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله، ولعله أراد به المعنى الأول وأوهمهم أنه أراد الثاني لتلين شكيمتهم؛ وعرض لفرعون بأنه مسرف أب في القتل والفساد كذاب في ادعاء الربوبية لا يهديه الله تعالى سبيل الصواب ومنهاج النجاة، فالجملة مستأنفة متعلقة معنى بالشرطية الأولى أو بالثانية أو بهما.
* (ياقوم لكم الملك اليوم ظ‍اهرين فى الارض فمن ينصرنا من بأس الله إن جآءنا قال فرعون مآ أريكم إلا مآ أرى ومآ أهديكم إلا سبيل الرشاد) *.
* (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين) * غالبين عالين على بني إسرائيل * (في الأرض) * أي في أرض مصر لا يقاومكم أحد في هذا الوقت * (فمن ينصرنا من بأس الله) * من أخده وعذابه سبحانه * (إن جاءنا) * أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإن ان جاءنا لم يمنعنا منه أحد، فالفاء في - فمن - الخ فصيحة والاستفهام إنكاري، وإنما نسب ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض إليهم خاصة ونظم نفسه في سلكهم فيما يسؤهم من مجيء بأس الله تعالى تطييبا لقلوبهم وإيذانا بأنه مناصح لهم ساع في تحصيل ما يجديهم ودفع ما يرديهم سعيه في حق نفسه ليتأثروا بنصحه.
* (قال فرعون) * بعدما سمع ذلك * (ما أريكم) * أي ما أشير عليكم * (إلا ما أرى) * إلا الذي أراده واستصوبه من قتله يعني لا استصوب إلا قتله وهذا الذي تقولونه غير صواب * (وما أهديكم) * بهذا الرأي * (إلا سبيل الرشاد) * طريق الصواب والصلاح أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئا ولا أسر عنكم خلاف ما أظهر يعني أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، وقد كذب عدو الله فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام لكنه كان يتجلد ولولا استشعاره لم يستشر أحدا، وعن معاذ بن جبل. والحسن انهما قرءا * (الرشاد) * بشد الشين على أنه فعال للمبالغة من رشد بالكسر كعلام من علم أو من رشد بالفتح كعباد من عبد.
وقيل: هو من أرشد المزيد كجبار من أجبر، وتعقب بأن فعالا لم يجىء من المزيد إلا في عدة أحرف نحو جبار ودراك وقصار وسآر ولا يحسن القياس على القليل مع أنه ثبت في بعضه كجبار سماع الثلاثي فلا يتعين كونه من المزيد فقد جاء جبره على كذا كأجبره وقصار كجبار عند بعض لا يتعين كونه من أقصر لمجيء قصر عن الشيء كأقصر عنه، وحكى عن الجوهري أن الأقصار كف مع قدرة والقصر كف مع عجز فلا يتم هذا عليه، واما دراك وسآر فقد خرجا على حذف الزيادة تقديرا لا استعمالا كما قالوا: ابقل المكان فهو باقل وأورس الرمث فهو وارس، قال ابن جنى: وعلى هذا خرج الرشاد فيكون من رشد بمعنى أرشد تقديرا لا استعمالا فإن المعنى على ذلك، ثم قال: فإن قيل إذا كان المعنى على أرشد فكيف أجزت أن يكون من رشد المكسور أو من
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»