وجنوده أشد من عاد * (فقالوا ساحر) * أي هو يعنون موسى عليه السلام ساحر فيما أظهر من المعجزات * (كذاب) * في دعواه أنه رسول من رب العالمين.
* (فلما جآءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبنآء الذين ءامنوا معه واستحيوا نسآءهم وما كيد الكافرين إلا فى ضلال) *.
* (فلما جاءهم بالحق من عندنا) * وبلغهم أمر الله تعالى غير مكترث بقولهم ساحر كذاب * (قالوا) * غيظا وحنقا وعجزا عن المعارضة * (اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم) * أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلونه بهم أولا كي تصدوهم عن مظاهرة موسى عليه السلام، فالأمر بالقتل والاستحياء وقع مرتين. المرة الأولى حين أخبرت الكهنة والمنجمون في قول فرعون بمولود من بني إسرائيل يسلبه ملكه، والمرة الثانية هذه، وضمير * (قالوا) * لفرعون ومن معه.
وقيل: إن قارون لم يصدر منه مثل هذه المقالة لكنهم غلبوا عليه * (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) * في ضياع من ضلت الدابة إذا ضاعت، والمراد أنه لا يفيدهم شيئا فالعاقبة للمتقين، واللام إما للعهد والإظهار في موقع الإضمار لذمهم بالكفر والإشعار بعلة الحكم أو للجنس والمذكورون داخلون فيه دخولا أولياف، والجملة اعتراض جىء به في تضاعيف ما حكي عنهم من الأباطيل للمسارعة إلى بيان بطلان ما أظهروه من الإبراق والإرعاد واضمحلاله بالمرة.
* (وقال فرعون ذرونىأقتل موسى وليدع ربه إنىأخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الارض الفساد) *.
* (وقال فرعون ذروني أقتل موسى) * كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم: ليس بالذي تخافه وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا ساحر يقاومه ساحر مثله وإنك إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة، والظاهر أنه لعنه الله تعالى استيقن أنه عليه السلام نبي ولكن كان فيه خب وجريرة وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه الذي يثل عرشه ويهدم ملكه ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك فقوله: * (ذروني) * الخ كان تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع ويرشد إلى ذلك قوله: * (وليدع ربه) * لأن ظاهره الاستهانة بموسى عليه السلام بدعائه ربه سبحانه كما يقال: ادع ناصرك فإني منتقم منك، وباطنه أنه كان يرعد فرائصه من دعاء ربه فلهذا تكلم به أول ما تكلم وأظهر أنه لا يبالي بدعاء ربه وما هو إلا كمن قال: ذروني أفعل كذا وما كان فليكن وإلا فما لمن يدعي أنه ربهم الأعلى أن يجعل لما يدعيه موسى عليه السلام وزنا فيتفوه به تهكما أو حقيقة * (إني أخاف) * إن لم أقتله * (أن يبدل دينكم) * أن يغير حالكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعادة الأصنام وكان عليه اللعنة قد أمرهم بنحتها وإن تجعل شفعاء لهم عنده كما كان كفار مكة يقولون: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18) ولهذا المعنى أضافوا الآلهة إليه في قولهم: * (ويذرك وآلهتك) * (الأعراف: 127) فهي إضافة تشريف واختصاص وهذا ما ذهب إليه بعض المفسرين، وقال ابن عطية: الدين السلطان ومنه قول زهير: لئن حللت بحي من بني أسد * في دين عمرو وحالت بيننا فدك أي إني أخاف أن يغير سلطانكم ويستذلكم * (أو أن يظهر) * إن لم يقدر على تغيير دينكم بالكلية * (في الأرض الفساد) * وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب ويهلك الناس قتلاف وضياعا فالفساد الذي عناه فساد دنياهم، فيكون حاصل المعنى على ما قرر أولا إني أخاف أن يفسد عليكم