تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٥٤
* (من سبيل) * طريق من الطرق فنسلكه ومثل هذا التركيب يستعمل عند اليأس، وليس المقصود به الاستفهام وإنما قالوه من فرط قنوط تعللا أو تحيرا ولذلك أجيبوا بذكر ما أوقعهم في الهلاك وهو قوله تعالى:
* (ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير) *.
* (ذالكم) * الخ من غير جواب عن الخروج نفيا أو إثباتا وإن كان الاستفهام على ظاهره، والمراد طلب الخروج نظير * (فارجعنا نعمل صالحا) * (السجدة: 12) ونحوه لقيل: * (اخسؤا فيها) * أو نحو ذلك كذا قيل، وجوز أن يكونوا طلبوا الرجعة ليعملوا بموجب ذلك الاعتراف لكن مع استبعاد لها واستشعار يأس منه والجواب إقناط لهم ببيان أنهم كانوا مستمرين على الشرك فجوزوا باستمرار العقاب والخلود في النار كما يقتضيه حكمه تعالى وذلك جواب بنفي السبيل إلى الخروج على أبلغ وجه، ولا أرى في هذا الوجه بأسا ويوشك أن يكون المتبادر، والمعنى ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب * (بأنه) * أي بسبب أن الشأن * (إذا دعي الله) * أي عبد سبحانه في الدنيا * (وحده) * أي متحدا منفردا فهو نصب على الحال مؤول بمشتق منكر أو يوحد وحده على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد * (أنبتكم من الأرض نباتا) * (نوح: 17) والجملة بتمامها حال أيضا حذفت وأقيم المصدر مقامها، وفيه كلام آخر مفصل في الوفدة وقد تقدم بعضه.
* (كفرتم) * بتوحيده تعالى أي جحدتم وأنكرتم ذلك * (وإن يشرك به تؤمنوا) * بالإشراك أي تذعنوا وتقروا به، وفي إيراد * (إذا) * وصيغة الماضي في الشرطية الأولى و * (إن) * وصيغة المضارع في الثانية ما لا يخفى من الدلالة على سوء حالهم وحيث كان كذلك * (فالحكم لله) * الذي لا يحكم إلا بالحق ولا يقضي إلا بما تقتضيه الحكمة * (العلي الكبير) * المتصف بغاية العلوم نهاية الكبرياء فليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، ولذا اشتدت سطوته بمن أشرك به واقتضت حكمته خلوده في النار فلا سبيل لخروجكم منها أبدا إذ كنتم مشركين.
واستدلال الحرورية بهذه الآية على زعمهم الفاسد في غاية السقوط، ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * (النساء: 35) الآية وقوله تعالى: * (يحكم به ذوا عدل منكم) * (المائدة: 95).
* (هو الذى يريكم ءاي‍اته وينزل لكم من السمآء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب) *.
* (هو الذي يريكم ءاياته) * الدالة على شؤننه العظيمة الموجبة لتفرده بالألوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبها فإذا دعي سبحانه وحده تؤمنوا وإن يشرك به تكفروا، وهذه الآيات ما يشاهد من آثار قدرته عز وجل: وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد * (وينزل) * بالتشديد وقرىء بالتخفيف من الإنزال * (لكم من السماء رزقا) * أي سبب رزق وهو المطر، وإفراده بالذكر مع كونه من جملة تلك الآيات لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر، وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما، وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة * (وما يتذكر) * بتلك الآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى * (إلا من ينيب) * يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكر فيها، فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه فمن لا ينيب بمعزل عن التذكر.
* (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الك‍افرون) *.
* (فادعوا الله) * اعبدوه عز وجل * (مخلصين له الدين) * من الشرك * (ولو كره الك‍افرون) * إخلاصكم وشق عليهم.
وظاهر كلام الكشاف أن * (ادعوا) * الخ مسبب عن الإنابة وأن فيه التفاتا حيث قال: ثم قال للمنيبين
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»