منهم وقالوا لهم: * (ادعوا ربكم يخفف عنا يوما) * أي مقدار يوم من أيام الدنيا * (من العذاب) * أي شيئا من العذاب، فمفعول * (يخفف) * محذوف، و * (من) * تحتمل البيان والتبعيض، ويجوز أن يكون المفعول * (يوما) * بحذف المضاف نحو ألم يوم و * (من العذاب) * بيانه، والمراد يدفع عنا يوما من أيام العذاب:
* (قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال) *.
* (قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات) * أي لم تنبهوا على هذا ولم تك تأتيكم رسلكم في الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء مغبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي كما في قوله تعالى: * (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا) * وأرادوا بذلك إلزامهم وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء وتعطيل أسباب الإجابة * (قالوا بلى) * أي أتونا بها فكذبناهم كما نطق به قوله تعالى: * (بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير) * (الملك: 9) والفاء في قوله تعالى: * (قالوا فادعوا) * فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإن الدعاء لمن يفعل فعلكم ذلك مستحيل صدوره عنا، وقيل: في تعليل امتناع الخزنة عن الدعاء: لأنا لم نؤذن في الدعاء لأمثالكم، وتعقب بأنه مع عرائه عن بيان أن سببه من قبل الكفرة كما يفصح عنه الفاء ربما يوهم أن الإذن في حيز الإمكان وأنهم لو أذن لهم لفعلوا فالتعليل الأول أولى، ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء اطماعهم في الإجابة بل إقناطهم منها وإظهار خيبتهم حيثما صرحوا به في قولهم: * (وما دعاؤا الكافرين إلا في ضلال) * أي في ضياع وبطلان أي لا يجاب، فهذه الجملة من كلام الخزنة، وقيل: هي من كلامه تعالى إخبارا منه سبحانه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. واستدل بها مطلقا من قال: إن دعاء الكافر لا يستجاب وأنه لا يمكن من الخروج في الاستسقاء، والحق أن الآية في دعاء الكفار يوم القيامة وأن الكافر قد يقع في الدنيا ما يدعو به ويطلبه من الله تعالى إثر دعائه كما يشهد بذلك آيات كثيرة، وأما أنه هل يقال لذلك إجابة أم لا فبحث لا جدوى له [بم وقوله تعالى:
* (إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا فى الحيواة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) *.
* (إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا) * الخ كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى لبيان أن ما أصاب الكفرة من العذاب المحكى من فروع حكم كلي تقتضيه الحكمة هو أن شأننا المستمر أننا ننصر رسلنا وأتباعهم * (في الحياة الدنيا) * بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي وغير ذلك من العقوبات، ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق للكفرة من صورة الغلبة امتحانا إذ العبرة إنما هي بالعواقب وغالب الأمر، وقد تقدم تمام الكلام في ذلك فتذكر * (ويوم يقوم الأشهاد) * أي ويوم القيامة عبر عنه بذلك للأشعار بكيفية النصرة وأنها تكون عند جمع الأولين والآخرين وشهادة الأشهاد للرسل بالتبليغ وعلى الكفرة بالتكذيب، فالاشهاد جمع شهيد بمعنى شاهد كإشراف جميع شريف، وقيل: جمع شاهد بناء على أن فاعلا قد يجمع على أفعال، وبعض من لم يجوز يقول: هو جمع شهد بالسكون اسم جمع لشاهد كما قالوا في صحب بالسكون اسم جمع لصاحب، وفسر بعضهم * (الأشهاد) * بالجوارح وليس بذاك، وهو عليهما من الشهادة، وقيل: هو من المشاهدة بمعنى الحضور.
وفي " الحواشي الخفاجية " أن النصرة في الآخرة لا تتخلف أصلا بخلافها في الدنيا فإن الحرب فيها سجال وإن كانت العاقبة للمتقين ولذا دخلت * (في) * على * ( الحياة) * دون قرينه لأن الظرف المجرور بفي لا يستوعب كالمنصوب على الظرفية كما ذكره الأصوليون انتهى، وفيه بحث.