بل قال الله تعالى يريد الكفر ويحبه ويرضاه والإرادة والمحبة والرضا بمعنى واحد قال: والمراد بعباده في الآية الموفقون للإيمان وأضيفوا إلى الله تعالى تشريفا لهم كما في قوله تعالى: * (يشرب بها عباد الله) * (الإنسان: 6) أي خواصهم لأكلهم اه فلا تغفل عن الفرق بينه وبين ما ذكره الخفاجي، وحكى تخصيص العباد في البحر عن ابن عباس.
وقيل يجوز مع ذلك حمل العباد على العموم ويكون المعنى ولا يرضى لجميع عباده الكفر بل يرضاه ويريده لبعضهم نظير قوله تعالى: * (لا تدركه الأبصار) * (الأنعام: 103) على قول، ولعلامة الأعصار صاحب الكشف تحقيق نفيس في هذا المقام لم أره لغيره من العلماء الأعلام وهو أن الرضا يقابل السخط وقد يستعمل بعن والباء ويعدي بنفسه فإذا قلت: رضيت عن فلان فإنما يدخل على العين لا المعنى ولكن باعتبار صدور معنى منه يوجب الرضا في مقابلة سخطت عليه وبينهما فرقان أنك إذا قلت: رضيت عن فلان بإحسانه لم يتعين الباء للسببية بل جاز أن يكون صلة مثله في رضيت بقضاء الله تعالى وإذا قلت: سخطت عليه باساءته تعين السببية فكان الأصل ههنا ذكر الصلة لكنه كثر الحذف في الاستعمال بخلافه ثمت إذ لا حذف، وإذا قيل: رضيت به فهذا يجب دخوله على المعنى إلا إذا دخل على الذات تمهيدا للمعنى ليكون أبلغ تقول: رضيت بقضاء الله تعالى ورضيت بالله عز وجل ربا وقاضيا، وقريب منه سمعت حديث فلان وسمعته يتحدث وإذا عدى بنفسه جاز دخوله على الذات كقولك: رضيت زيدا وإن كان باعتبار المعنى تنبيها على أن كله مرضى بتلك الخصلة وفيه مبالغة وجاز دخوله على المعنى كقولك: رضيت إمارة فلان، والأول أكثر استعمالا وهو على نحو قولهم: حمدت زيدا وحمدت علمه، وأما إذا استعمل باللام تعدى بنفسه كقولك رضيت لك هذا فمعناه ما سيجيء إن شاء الله تعالى قريبا، وإذا تمهد هذا لاح لك أن الرضا في الأصل متعلقة المعنى وقد يكون الذات باعتبار تعلقه بالمعنى أو باعتبار التمهيد فهذه ثلاثة أقسام حققت بأمثلتها وأنه في الحقيقة حالة نفسانية تعقب حصول ملائم مع ابتهاج به واكتفاء فهو غير الإرادة بالضرورة لأنها تسبق الفعل وهذا يعقبه، وهذا المعنى في غير المستعمل باللام من الوضوح بمكان لا يخفى على ذي عينين، وأما فيه فإنما اشتبه الأمر لأنك إذا قلت: رضيت لك التجارة فالمراضي بالتجارة هو مخاطبك وإنما أنت بينت له أن التجارة مما يحق أن يرضى به وليس المعنى رضيت بتجارتك بل المعنى استحمادك التجارة له فالملاءمة ههنا بين الواقع عليه الفعل والداخل عليه اللام ثم إنه قد يرضى بما ترضاه له إذا عرف وجه الملاءمة وقد لا يرضى، وفيه نجوز إما لجعل الرضا مجازا عن الاستحماد لأن كل مرضى محمود أو لأنك جعلت كونه مرضيا له بمنزلة كونه مرضيا لك فاعلم أن الرضا في حق الله تعالى شأنه محال لأنه سبحانه لا يحدث له صفة عقيب أمر البتة فهو مجاز كما أن الغضب كذلك إما من أسماء الصفات إذا فسر بإرادة أن يثيبهم إثابة من رضي عمن تحت يده وإما من أسماء الأفعال إذا أريد الاستحماد وأن مثل قوله تعالى: * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * (المائدة: 119) إما من باب المشاكلة وإما من باب المجاز المذكور، وأن مثل قوله سبحانه: * (رضيت لكم الإسلام دينا) * (المائدة: 3) متعين أن يكون من ذلك الباب بالنسبة إلى من يصح اتصافه بالرضا حقيقة أيضا فإذن قوله تعالى: * (ولا يرضى لعباده الكفر) * (الزمر: 7) كلام وارد على نهجه من غير تأويل دال على أنه جل شأنه لا يستحمد الكفر لعباده كما يستحمد الاسلام لهم ويرتضيه، وأما أنه لا يرد الكفر أن يوجد فليس من هذا الباب في شيء ولا هو من مقتضيات هذا التركيب وأن الخروج إلى تخصيص العباد من ضيق العطن وأن قول المحققين