تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٣٠
أن حال التابعين إذا بلغ إلى أن اتصل إلى أولاد الأنبياء فما بال المتبوعين. وقال صاحب الكشف: صاحب هذا القول اعتبر القرب وأن الكلام بين الحق تعالى شأنه وبين الملعون في شأن التابعين فأكد ما هو المقصود وترك توكيد الآخر للاكتفاء. هذا واعلم أن هذه القصة قد ذكرت في عدة سور وقد ترك في بعضها بعض ما ذكر في البعض الآخر للإيجاز ثقة ما ذكر في ذلك وقد يكون فيها في موضعين مثلا لفظان متحدان مآلا مختلفان لفظا رعاية للتفنن، وقد يحمل الاختلاف على تعدد الصدور فيقال مثلا: إن اللعين أقسم مرة بالعزة فحكى ذلك في سورة * (ص) * بقوله تعالى: * (قال فبعزتك) * وأخرى بإغواء الله تعالى الذي هو أثر من آثار قدرته وعزته عز وجل وحكم من أحكام سلطانه فحكى ذلك في سورة (الأعراف: 16) بقوله تعالى: * (قال فبما أغويتني) * وقد يحمل الاختلاف على اختلاف المقامات كترك الفاء من قوله: * (انظرني إلى يوم يبعثون) * (الأعراف: 14) ومن قوله تعالى: * (إنك من المنظرين) * (الأعراف: 15) في الأعراف مع ذكرها فيهما في * (ص) * والذي يجب اعتباره في نقل الكلام إنما هو أصل معناه ونفس مدلوله الذي يفيده وأما كيفية إفادته له فليس مما يجب مراعاته عند النقل البتة بل قد تراعي وقد لا تراعي حسب اقتضاء المقام، ولا يقدح في أصل الكلام تجريده عنها بل قد تراعي عند نقله كيفيات وخصوصيات لم يراعها المتكلم أصلا حيث أن مقام الحكاية اقتضتها وهي ملاك الأمر ولا يخل ذلك بكون المنقول أصل المعنى كما قد حققه صدر المفتين أبو السعود وأطال الكلام فيه فليراجع.
* (قل مآ أس‍الكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين) *.
* (قل ما أسئلكم عليه) * أي على القرآن كما روي عن ابن عباس أو على تبليغ ما يوحى إلي أو على الدعاء إلى الله تعالى على ما قيل * (من أجر) * أي أجرا دنيويا جل أو قل * (وما أنا من المتكلفين) * من الذين يتصنعون ويتحلون بما ليسوا من أهله وما عرفتموني قط متصنعا ولا مدعيا ما ليس عندي حتى انتحل النبوة وأتقول القرآن فأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم عن نفسه هذه المقالة ليس لإعلامهم بالمضمون بل للاستشهاد بما عرفوه منه عليه الصلاة والسلام وللتذكير بما علموه وفي ذلك ذم التكلف.
وأخرج ابن عدي عن أبي برزة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: هم الرحماء بينهم قال: ألا أنبئكم بأهل النار؟ قلنا: بلى قال: هم الآيسون القانطون الكذابون المتكلفون " وعلامة المتكلف كما أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " عن ابن المنذر ثلاث أن ينازل من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم، وفي " الصحيحين " أن ابن مسعود قال: أيها الناس من علم منكم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله تعالى أعلم قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: * (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) *.
* (إن هو إلا ذكر للع‍المين) *.
* (إن هو) * أي ما هو أي القرآن * (إلا ذكر) * جليل الشأن من الله تعالى * (للعالمين) * للثقلين كافة.
* (ولتعلمن نبأه بعد حين) *.
* (ولتعلمن نبأه) * أي ما أنبأ به من الوعد والوعيد وغيرهما أو خبره الذي يقال فيه في نفس الأمر وهو أنه الحق والصدق * (بعد حين) * قال ابن عباس. وعكرمة. وابن زيد: يعني يوم القيامة، وقال قتادة. والفراء. والزجاج: بعد الموت، وكان الحسن يقول: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين، وفسر نبؤه بالوعد والوعيد الكائنين في الدنيا، والمراد لتعلمن ذلك بتحققه إذا أخذتكم سيوف المسلمين وذلك يوم بدر وأشار إلى هذا السدي، وأيا ما كان ففي الآية من التهديد ما لا يخفى.
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»