تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٣٤
بين في تضاعيف ما أنزل إليك، والعدول إلى الاسم الجليل مما يلائم هذا الأمر أتم ملاءمة. وقرأ ابن أبي عبلة * (الدين) * بالرفع كما رواه الثقاة فلا عبرة بإنكار الزجاج، وخرج ذلك الفراء على أنه مبتدأ خبره الظرف المقدم للاختصاص أو لتأكيده. واعترض بأنه يتكرر مع قوله تعالى:
* (ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أوليآء ما نعبدهم إلا ليقربونآ إلى الله زلفىإن الله يحكم بينهم فى ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدى من هو ك‍اذب كفار) *.
* (ألا لله الدين الخالص) * وأجيب بأن الجملة الأول استئناف وقع تعليلا للأمر بإخلاص العبادة وهذه الجملة تأكيد لاختصاص الدين به تعالى أي ألا هو سبحانه الذي يجب أن يخص بإخلاص الدين له تعالى لأنه المتفرد بصفات الألوهية التي من جملتها الإطلاع على السرائر والضمائر، وهي على قراءة الجمهور استئناف مقرر لما قبله من الأمر بإخلاص الدين له عز وجل ووجوب الامتثال به، وفي الإتيان بالا واسمية الجملة وإظهار الجلالة والدين ووصفه بالخالص والتقديم المفيد للاختصاص مع اللام الموضوعة له عند بعض ما لا يخفى من الدلالة على الاعتناء بالدين الذي هو أساس كل خير، قيل ومن هنا يعلم أنه لا بأس يجعل الجملة تأكيدا للجملة قبلها على القراءة الأخيرة وإليه ذهب " صاحب التقريب " وقال: بتغاير دلالتي الجملتين إجمالا وتفصيلا. ورد بذلك زعم إباء هذه الجملة صحة تخريج الفراء.
والحق إنه تخريج لا يعول عليه، ففي " الكشف " لما كان قوله تعالى: * (لله الدين الخالص) * بمنزلة التعليل لقوله سبحانه: * (فاعبد الله مخلصا) * كان الأصل أن يقال فلله الدين الخالص ثم ترك إلى * (ألا لله الدين الخالص) * مبالغة لما عرفت من أنه أقوى الوصلين ثم صدر بحرف التنبيه زيادة على زيادة وتحقيقا بأن غير الخالص كالعدم فلو قدر الاستئناف التعليلي أولا من دون الوصف المطلوب الذي هو الأصل في العلة ومن دون حرف التنبيه للفائدة المذكورة كان كلاما متنافرا ويلزم زيادة التنافر من وصف الدين بالخلوص ثانيا لدلالته على العي في الأول إذ ليس فيه ما يرشد إلى هذا الوصف حتى يجعل من باب الاجمال والتفصيل؛ وأما جعله تأكيدا فلا وجه له للوصف المذكور ولأن حرف التنبيه لا يحسن موقعها حينئذ فإنها يؤتى بها في ابتداء الاستئناف المضاف لقصد التأكيد اه‍.
ونص العلامة الثاني أيضا على أن كون الجملة الثانية تأكيدا للأولى فاسد عند من له معرفة بأساليب الكلام وصياغات المعاني ففيها ما ينبو عنه مقام التأكيد ولا يكاد يقترن به المؤكد لكن في قول " صاحب الكشف ": ليس في الأول ما يرشد إلى وصف الخلوص حتى يجعل من باب الاجمال والتفصيل بحثا إذ لقائل أن يقول: إن * (له الدين) * على معنى له الدين الكامل ومن المعلوم أن كمال الدين بكونه خالصا فيكون في الأول ما يرشد إلى هذا الوصف نعم وهن ذلك التخريج على حاله قبل هذا البحث أم لم يقبل.
وقال أبو حيان: الدين مرفوع على أنه فاعل بمخلصا الواقع حالا والراجع لذي الحال محذوف على رأي البصريين أي الدين منك أو تكون أل عوضا من الضمير أي دينك وعليه يكون وصف الدين بالإخلاص وهو وصف صاحبه من باب الإسناد المجازي كقولهم شعر شاعر، وفي الآية دلالة على شرف الإخلاص بالعبادة وكم من آية تدل على ذلك.
وأخرج ابن مردويه عن يزيد الرقاشي أن رجلا قال: يا رسول الله إنا نعطي أموالنا التماس الذكر فهل لنا من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قال: يا رسول الله إنا نعطي التماس الأجر والذكر فهل لنا أجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى لا يقبل إلا من أخلص له " ثم تلا رسول الله عليه الصلاة والسلام
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»