تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٣٦
غير ذكر تعويلا على دلالة السياق عليهم ويكون التقدير والذين اتخذهم المشركون أولياء قائلين ما نعبدهم إلا ليقربونا عند الله زلفى إن الله يحكم بينهم وبين عبدتهم فيما الفريقان فيه يختلفون حيث يرجو العبدة شفاعتهم وهم يلعنوهم بإدخال ما هو منهم أهل للجنة الجنة وإدخال العبدة مع أصنامهم النار. وتعقب بأنه بعد الإغضاء عما فيه من التعسفان بمعزل من السداد كيف لا وليس فيما ذكر من طلب الشفاعة واللعن مادة يختلف فيها الفريقان اختلافا محوجا إلى الحكم والفصل فإنما ذاك ما بين فريقي الموحدين والمشركين في الدنيا من الاختلاف في الدين الباقي إلى يوم القيامة فتدبر ولا تغفل.
وقرىء * (ما نعبدكم إلا لتقربونا) * حكاية لما خاطبوا به آلهتهم * (إن الله لا يهدى) * أي لا يوفق للاهتداء الذي هو طريق النجاة عن المكروه والفوز بالمطلوب * (من هو كاذب كفار) * في حد ذاته وموجب سيء استعداده لأنه غير قابل للاهتداء والله عز وجل لا يفيض على القوابل إلا حسب القابليات كما يشير إليه قوله سبحانه: * (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) * (طه: 50) وقوله تعالى: * (قل كل يعمل على شاكلته) * (الإسراء: 84) وقوله عز وجل: * (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * (النحل: 118) وهذا هو الذي حتم عليه جل شأنه لسيء استعداده بالموافاة على الضلال قاله بعض الأجلة، وقال الطبرسي: لا يهدي إلى الجنة أي يوم القيامة من هو كاذب كفار في الدنيا.
وقال ابن عطية: المراد لا يهدي الكاذب الكافر في حال كذبه وكفره وهذا ليس بشيء أصلا، والمراد بمن هو كاذب كفار قيل من يعم أولئك المحدث عنهم وغيرهم، وقيل: أولئك المحدث عنهم وكذبهم في دعواهم استحقاق غير الله تعالى للعبادة أو قولهم في بعض من اتخذوهم أولياء من دون الله إنهم بنات الله سبحانه أو أن المتخذ ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فمن هو كاذب من الظاهر الذي أقيم مقام المضمر على معنى أن الله تعالى لا يهديهم أي المتخذين تسجيلا عليهم بالكذب والكفر وجعل تمهيدا لما بعده، وقال بعضهم: الجملة تعليل للحكم.
وقرأ أنس بن مالك. والجحدري. والحسن. والأعرج. وابن يعمر * (كذاب كفار) * وقرأ زيد بن علي * (كذوب كفور) * وحملوا الكاذب هنا على الراسخ في الكذب لهاتين القراءتين وكذا حملوا الكفر على كفر النعم دون الكفر في الاعتقاد لقراءة زيد، وذكر الإمام فيه احتمالين.
* (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشآء سبح‍انه هو الله الواحد القهار) *.
* (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء) * استئناف مسوق لتحقيق الحق وإبطال القول بأن الملائكة بنات الله وعيسى ابنه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ببيان استحالة اتخاذ الولد في حقه سبحانه على الإطلاق ليندرج فيه استحالة ما قيل اندراجا أوليا، وحاصل المعنى لو أراد الله سبحانه اتخاذ الولد لامتنعت تلك الإرادة لتعلقها بالممتنع أعني الاتخاذ لكن لا يجوز للباري إرادة ممتنعة لأنها ترجح بعض الممكنات على بعض.
وأصل الكلام لو اتخذ الولد لامتنع لاستلزامه ما ينافي الألوهية فعدل إلى لو أراد الاتخاذ لامتنع أن يريده ليكون أبلغ وأبلغ ثم حذف هذا الجواب وجيء بدله لاصطفى تنبيها على أن الممكن هذا لا الأول وإنه لو كان هذا من اتخاذ الولد في شيء لجاز اتخاذ الولد عليه سبحانه وتعالى شأنه عن ذلك فقد تحقق التلازم وحق نفي اللازم وإثبات الملزوم دون صوبة؛ ويجوز أن يكون المراد لو أراد الله أن يتخذ لامتنع ولم يصح لكن على إرادة نفي الصحة على كل تقدير من تقديري الإرادة وعدمها من باب - لو لم يخف الله لم يعصه - فلا ينفي الثاني إذ ذاك ولا يحتاج إلى بيان الملازمة وإذا امتنع ذلك فالممكن الاصطفاء وقد اصطفى سبحانه من
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»