بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام، والظاهر التغاير فيتعين كونه إسماعيل وبأنه بشر بأن يوجد وينبأ فلا يجوز ابتلاء إبراهيم عليه السلام بذبحه لأنه علم أن شرط وقوعه منتف، والجواب بأن الأول بشارة بالوجود وهذا بشارة بالنبوة ولكن بعد الذبح - قال صاحب الكشف - ضعيف لأن نظم الآية لا يدل على أن البشارة بنبوته بل على أن البشارة بأمر مقيد بالنبوة فإما أن يقدر بوجود إسحاق بعد الذبح ولا دلالة في اللفظ عليه وإما أن يقدر الوجود مطلقا وهو المطلوب، فإن قلت: يكفي الدلالة تقدم البشارة بالوجود أولا قلت: ذاك عليك لا لك ومن يسلم أن المتقدم بشارة بإسحاق حتى يستتب لك المرام وبأن البشارة به وقعت مقرونة بولادة يعقوب منه على ما هو الظاهر في قوله تعالى في هود: * (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) * (هود: 71) ومتى بشر بالولد وولد الولد دفعة كيف يتصور الأمر بذبح الولد مراهقا قبل ولادة ولده، ومنع كونه إذ ذاك مراهقا لجواز أن يكون بالغا كما ذهب إليه اليهود قد ولد له يعقوب وغيره مكابرة لا يلتفت إليها وبأنه تعالى وصف إسماعيل عليه السلام بالصبر في قوله سبحانه: * (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين) * (الأنبياء: 85) وبأنه عز وجل وصفه بصدق الوعد في قوله تعالى: * (إنه كان صادق الوعد) * (مريم: 54) ولم يصف سبحانه إسحاق بشيء منهما فهو الأنسب دونه بأن يقول القائل: * (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * (الصافات: 102) المصدق قوله بفعله وبأن ما وقع كان بمكة وإسماعيل هو الذي كان فيها وبأن قرني الكبش كانا معلقين في الكعبة حتى احترقا معها أيام حصار الحجاج بن الزبير رضي الله تعالى عنه وكانا قد توارثهما قريش خلفا عن سلف، والظاهر أن ذاك لم يكن منهم إلا للفخر ولا يتم لهم إذا كان الكبش فدى لإسحاق دون أبيهم إسماعيل، وبأنه روى الحاكم في " المستدرك " وابن جرير في تفسيره. والأموي في مغازيه. والخلعي في فوائده من طريق إسماعيل بن أبي كريمة عن عمر بن أبي محمد الخطابي عن العتبي عن أبيه عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق أيهما الذبيح؟ فقال بعض القوم: إسماعيل وقال بعضهم: بل إسحاق فقال معاوية: على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله خلفت الكلأ يابسا والماء عابسا هلك العيال وضاع المال فعد على مما أفاء الله تعالى عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فقال القوم: من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله تعالى إن سهل أمرها أن ينحر بعض بنيه فلما فرغ أسهم بينهم فكانوا عشرة فخرج السهم على عبد الله فأراد أن ينحره فمنعه أخواله بنو مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك ففداه بمائة ناقة قال معاوية: هذا واحد والآخر إسماعيل وبأنه ذكر في التوراة أن الله تعالى امتحن إبراهيم فقال له: يا إبراهيم فقال: لبيك قال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه وامض إلى بلد العبادة وأصعده ثم قربانا على أحد الجبال الذي أعرفك به فإن معنى وحيدك الذي ليس لك وغيره لا يصدق ذلك على إسحاق حين الأمر بالذبح لأن إسماعيل كان موجودا إذ ذاك لأنه ولد لإبراهيم على ما في التوراة وهو ابن ست وثمانين سنة وولد إسحاق على ما فيها أيضا وهو ابن مائة سنة، وأيضا قوله تعالى الذي تحبه أليق بإسماعيل لأن أول ولد له من المحبة في الأغلبة ما ليس لمن بعده من الأولاد، ويعلم مما ذكر أن ما في التوراة الموجودة بأيدي اليهود اليوم من ذكر هو إسحاق بعد الذي تحبه من زياداتهم وأباطيلهم التي أدرجوها في كلام الله تعالى إذ لا يكاد يلتئم مع ما قبله، وأجاب بعض اليهود عن ذلك بأن إطلاق الوحيد على إسحاق لأن
(١٣٤)