تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١١٢
فيكابرون في كون الأفلاك مستديرة والأرض كرية وأن نور القمر مستفاد من ضياء الشمس وأن الكسوف القمري عبارة عن انحاء نور القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أن نوره مقتبس منها وأن الكسوف الشمسي عبارة عن وقوع جرم القمر بين الناظر والشمس عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة وقولهم بتأثير الأسباب المحسوسة في مسبباتها وإثبات القوى والطبائع والأفعال والانفعالات إلى غير ذلك مما تقوم عليه الأدلة اليقينية ولا تعارضه النصوص الشرعية القطعية، وما ذكروه من الحديث تعقبه حجة الإسلام الغزالي فقال: إن زيادة فإن الله الخ لم يصح نقلها فيجب تكذيب قائلها ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية فكم من ظواهر أولت بالأدلة العقلية التي لم تبلغ في الوضوح إلى هذا الحد وأعظم ما يفرح به الملحدة أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا وأمثاله على خلاف الشرع فيسهل عليه إبطال الشرع إن كان شرطه أمثال ذلك اه‍ وليس الأمر في هذه كما قال من عدم الصحة فإن إسنادها لا مطعن فيه، فابن ماجه يروي الحديث بهذه الزيادة عن محمد بن المثنى. وأحمد بن ثابت. وحميد بن الحسن وهم يروونه عن عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير وكل هؤلاء ثقات حفاظ، نعم الحديث الخالي عنها رواه بضعة عشر صحابيا منهم علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وعائشة. وأسماء أختها. وأبي بن كعب. وجابر بن عبد الله. وسمرة بن جندب. وقبيصة الهلالي. وعبد الله بن عمرو، ومن هنا خاف بعض الأجلة أن تكون مدرجة في الحديث لكنه خلاف الظاهر وحينئذ يقال: إن كسوف الشمس والقمر يوجب لهما ضعف سلطانهما وبهائهما وذلك يوجب لهما من الخشوع والخضوع لرب العالمين وعظمته وجلاله سبحانه ما يكون سببا لتجليه عز وجل لهما، ولا يستنكر أن يكون تجلي الله سبحانه لهما في وقت معين كما يدنو سبحانه من أهل الموقف عشية عرفة وكما ينزل تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا عند مضي نصف الليل فيحدث لهما ذلك التجلي خشوعا آخر ليس هو الكسوف فإنه إنما حدث بالسبب الذي عرفت ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى إذا تجلى لهما انكسفا بل قال فإذا تجلى الله لشيء من خلقه خشع له. وفي رواية الإمام أحمد " إذا بدا الله لشيء من خلقه خشع له " فههنا خشوعان خشوع أوجبه كسوفهما الحادث من وضعهما الخاص وخشوع أوجبه تجليه تعالى لهما لذلك الخشوع الذي أوجبه الكسوف، وهذا توجيه لطيف المنزع يقبله العقل المستقيم والفطرة السليمة إن شاء الله تعالى. وأما استدلاله بحديث ابن مسعود ففيه على ما قيل أن الحديث لو ثبت لكان حجة عليه لا له إذ لو كان علم النجوم حقا لم يأمر صلى الله عليه وسلم بالإمساك عند ذكر النجوم فالظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر بذلك إلا لأن الخوض في ذلك خوض فيما لا علم للخائض به فتأمل.
وأما حديث النهي عن السفر والقمر في العقرب فصحيح من كلام المنجمين دون رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، وروايته عن علي كرم الله تعالى وجهه كذب أيضا والمشهور عنه خلاف ذلك كما سمعت في قصة خروجه لقتال الخوارج، وأما ما احتج به من الأثر عن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلا أتاه الخ فلا يعلم ثبوته عنه رضي الله تعالى عنه، والكذابون كثيرا ما ينفقون سلعهم الباطلة بنسبتها إليه أو إلى أهل بيته، ثم لو صح عنه فليس فيه تعرض لثبوت أحكام النجوم بوجه، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " اللهم بارك لأمتي في بكورها " ونسبة أول الشهر إليه كنسبة أول النهار إليه، وكان صخر راوي الحديث إذا بعث تجارة له بعثها في
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»