تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٦٥
لا يحاط به حتى أن عروة كان يقول كما أخرج ابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير عنه في ركوب المحمل هي والله رحمة فتحت للناس ثم يقول: * (ما يفتح الله للناس من رحمة) * الخ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي الرحمة المطر، وعن ابن عباس التوبة والمراد التمثيل، والجار والمجرور في موضع الحال لا في موضع الصفة لأن اسم الشرط لا يوصف * (فلا ممسك لها) * أي فلا أحد يقدر على إمساكها * (وما يمسك) * أي أي شيء يمسك * (فلا مرسل له) * أي فلا أحد يقدر على إرساله، واختلاف الضميرين لما أن مرجع الأول مبين بالرحمة ومرجع الثاني مطلق يتناولها وغيرها، وفي ذلك مع تقديم أمر فتح الرحمة إشعار بأن رحمته تعالى سبقت غضبه عز وجل كما ورد في الحديث الصحيح، وقيل المراد وما يمسك من رحمة إلا أنه حذف المبين لدلالة ما قبل عليه، والتذكير باعتبار اللفظ وعدم ما يقوى اعتبار المعنى في التلفظ.
وأيد بأنه قرىء * (فلا مرسل لها) * بتأنيث الضمير * (من بعده) * أي من بعد إمساكه * (وهو العزيز) * الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك * (الحكيم) * الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة، والجملة تذيير مقرر لما قبلها ومعرب عن كون كل من الفتح والإمساك بموجب الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين، وما ادعى هذه الآية إلى الانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عما سواه عز وجل وإراحة البال عن التخيلات الموجبة للتهويش وسهر الليال.
وقد أخرج ابن المنذر عن عامر بن عبد قيس: قال أربع آيات من كتاب الله تعالى إذا قرأتهن فما أبالي ما أصبع عليه وأمسى * (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) * (فاطر: 2) * (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله) * (يونس: 107) * (وسيجعل الله بعد عسر يسرا) * (الطلاق: 7) * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * (هود: 6) وبعدما بين سبحانه أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس قاطبة أو أهل مكة كما روى عن ابن عباس واختاره الطيبي بشكر نعمه عز وجل فقال تعالى:
* (ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خ‍الق غير الله يرزقكم من السمآء والارض لا إل‍اه إلا هو فأنى تؤفكون) *.
* (يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم) * أي إنعامه تبارك وتعالى عليكم إن جعلت النعمة مصدرا أو كائنة عليكم أن جعلت اسما أي راعوها واحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وتخصيص العبادة والطاعة بموليها فليس المراد مجرد الذكر باللسان بل هو كناية عما ذكر، وعن ابن عباس وقد جعل الخطاب لمن سمعت اذكروا نعمة الله عليكم حيث أسكنكم حرمه ومنعكم من جميع العالم والناس يتخطفون من حولكم، وعنه أيضا نعمة الله تعالى العافية، والأولى عدم التخصيص، ولما كانت نعم الله تعالى مع تشعب فنونها منحصرة في نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء نفى سبحانه أن يكون في الوجود شيء غيره سبحانه يصدر عنه إحدى النعمتين بطريق الاستفهام الذي هو لإنكار التصديق وتكذيب الحكم فقال عز وجل: * (هل من خالق غير الله) * وهل تأتي لذلك كما في " المطول وحواشيه "، وقول الرضى: إن هل لا تستعمل للإنكار أراد به الإنكار على مدعي الوقوع كما في قوله تعالى: * (أفأصفاكم ربكم بالبنين) * (الإسراء: 40) ويلزمه النفي والإنكار على من أوقع الشيء كما في قولك أتضرب زيدا وهو أخوك أي هل خالق مغاير له تعالى موجود لكم أو للعالم على أن * (خالق) * مبتدأ محذوف الخبر زيدت عليه * (من) * لتأكيد العموم و * (غير الله) * صفة له باعتبار محله، وصحت الوصفية به مع إضافته إلى أعرف المعارف لتوغله في التنكير فلا يكتسب تعريفا في
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»