* (إنهم كانوا في شك مريب) * أي موقع في ريبة على أنه من أرابه أوقعه في ريبة وتهمة أو ذي ريبة من أراب الرجل صار ذا ريبة فإما أن يكون قد شبه الشك بإنسان يصح أن يكون مريبا على وجه الاستعارة المكنية التخييلية أو يكون الإسناد مجازيا أسند فيه ما لصاحب الشك للشك مبالغة كما يقال شعر شاعر، وكأنه من هنا قال ابن عطية: الشك المريب أقوى ما يكون من الشك، وضمير الجمع للإشباع وقيل: لأولئك المحدث عنهم والله تعالى أعلم. ومن باب الإشارة في بعض آيات السورة ما قيل: * (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير) * أشير بالجبال إلى عالم الملك وبالطير إلى عالم الملكوت، وقد ذكروا أنه إذا تمكن الذكر سري في جميع أجزاء البدن فيسمع الذاكر كل جزء منه ذاكرا فإذا ترقى حاله يسمع كل ما في عالم الملك كذلك فإذا ترقى يسمع كل ما في الوجود كذلك وإن من شيء إلا يسبح بحمده * (وألنا له الحديد) * (سبأ: 10) القلب * (أن اعمل سابغات) * وهي الحكم البالغة التي تظهر من القلب على اللسان * (وقدر في السرد) * (سبأ: 11) أي في سرد الحديث بأن تتكلم بالحكمة على قدر ما يتحمله عقل مخاطبك، وقد ورد كلموا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا يصعب الجواب عمن تكلم من المتصوفة بما ينكره أكثر من يسمعه من العلماء وبه ضل كثير من الناس * (ولسليمان الريح) * ريح العناية * (غدوها شهر ورواحها شهر) * فكان يتصرف بالهمة وقذف الأنوار في قلوب متبعيه من مسافة شهر * (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) * (سبأ: 12) إشارة إلى قوة باطنه حيث انقاد له من جبل على المخالفة وفعل الشرور * (وقليل من عبادي الشكور) * (سبأ: 13) وهو من شكره بالأحوال أعني التخلق بأخلاق الله تعالى * (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته) * (سبأ: 14) فيه إشارة إلى أن الضعيف قد يفيد القوي علما * (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) * وهي مقامات أهل الباطن من العارفين * (قرى ظاهرة) * وهي مقامات أهل الظاهر من الناسكين * (سيروا فيها ليالي) * في ليالي البشرية * ( وأيا ما) * في أيام الروحانية * (آمنين) * (سبأ: 18) في خفارة الشريعة.
وقال بعض الفرقة الجديدة الكشفية: القرى المبارك فيها الأئمة رضي الله تعالى عنهم والقرى الظاهرة الدعاة إليهم والسفراء بينهم وبين شيعتهم * (وظلموا أنفسهم) * بميلهم إلى الدنيا وترك السير لسوء استعدادهم * (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم) * (سبأ: 23) فيه إشارة إلى أن الهيبة تمنع الفهم * (وما أرسلناك) * أي ما أخرجناك من العدم إلى الوجود * (إلا كافة للناس) * الأولين والآخرين * (بشيرا ونذيرا) * وهذا حاله عليه الصلاة والسلام في عالم الأرواح وفي عالم الأجساد * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (سبأ: 28) إذ لا نور لهم يهتدون به * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم) * (سبأ: 43) هؤلاء قطاع الطريق على عباد الله تعالى ومثلهم المنكرون على أولياء الله تعالى الذين ينفرون الناس عن الاعتقاد بهم واتباعهم * (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي) * إن النفس لأمارة بالسوء * (وإن اهتديت فبما يوحي إلى ربي) * (سبأ: 50) من القرآن وفيه إشارة إلى أنه نور لا يبقى معه ديجور أو مراتب الاهتداء به متفاوتة حسب تفاوت الفهم الناشىء من تفاوت صفاء الباطن وطهارته، وقد ورد أن للقرآن ظاهرا وباطنا ولا يكاد يصل الشخص إلى باطنه لا بتطهير باطنه كما يرمز إليه قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (الواقعة: 79) نسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم ظاهره وباطنه إلى ما شاء من البطون فإنه جل وعلا القادر الذي يقول للشيء كن فيكون.