حسنا وانهمك فيه كمن استقحبه واجتنبه واختار الايمان والعمل الصالح أي ما هما متساويان ليكون الذي زين له الكفر كمن استقبحه، وحذف هذا الخبر لدلالة الكلام عليه واقتضاء النظم الجليل إياه، وقد صرح بالجزأين في نظير الآية الكريمة من قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله) * (محمد: 14) وقوله سبحانه: * (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) * (الردع: 19) وقوله عز وجل: * (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلناه له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات) * (الأنعام: 122) وفي التعبير عن الكافر بمن زين له سوء عمله فرآه حسنا إشارة إلى غاية ضلاله حتى كأنه غلب على عقله وسلب تمييزه فشأن المغلوب على عقله ذلك كما يشير إليه قول أبي نواس:
اسقني حتى تراني * حسنا عندي القبيح وظاهر كلام الزجاج أن من شرطية حيث قال: الجواب على ضربين، أحدهما: ما يدل عليه قوله تعالى: * (فلا تذهب نفسك) * الخ ويكون المعنى أفمن زيد له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرة، وثانيهما: ما يدل عليه قوله تعالى: * (فإن الله) * الخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله تعالى، وإلى ذلك ذهب ابن مالك أيضا. واعترض ابن هشام على التقدير الثاني بأن الظرف لا يكون جوابا وإن قلنا إنه جملة، ووجه أن الرضى صرح بأنه لا يكون مستقرا في غير الخبر والصفة والصلة والحال ولم يذكر الجواب لا أن دخل لعدم الفاء، وتقديرها داخلة على مبتدأ يكون الظرف خبره والجملة بتمامها جزاء غير جائز لما فيه من التكلف كما قيل.
وزعم بعضهم أنه يجوز أن يكون الزجاج قد ذهب إلى أن من موصولة وأطلق على خبرها الجواب لشبهه به في المعنى ألا تراهم يدخلون الفاء في خبر الموصول الذي صلته جملة فعلية كما يدخلونها في جواب الشرط فيقولون الذي يأتيني فله درهم، وفيه أنه خلاف الظاهر ولا قرينة على إرادته سوى عدم صحة الجزائية، وضعف التقدير الأول بالفصل بين ما فيه الحذف ودليل المحذوف مع خفاء ربط الجملة بما قبلها عليه، ولا ينبغي أن تكون من شرطية جوابها فرآه لما في ذلك من الركاكة الصناعية فإن الماضي في الجواب لا يقترن بالفاء بدون قد مع خفاء أمر إنكار رؤية سوء العمل حسنا بعد التزيين وتفريعه على ما قبله من الحكمين، وكون الإنكار لما أن المزين هو الشيطان العدو والتفريع على قوله تعالى: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) * (فاطر: 6) لا يخفى حاله فالوجه المعول عليه ما تقدم جعل عليه، وقوله تعالى:
* (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) * تعليلا لسببية التزيين لرؤية القبيح حسنا، وفيه دفع استبعاد أن يرى الشخص القبيح حسنا بتزيين العدو إياه ببيان أن ذلك بمشيئة عز وجل التابعة للعلم المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر وإيذان بأن أولئك الكفرة الذين زين لهم سء عملهم فرأوه حسنا ممن شاء الله تعالى ضلالهم، وقوله تعالى: * (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) * تفريع عليه أي إذا كان الأمر كذلك فلا تذهب نفسك الخ، وذكر المولى سعدى جلبي أن الهمزة في * (أفمن) * على التقدير الأول من التقديرين الذين