تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٦٨
قومه أي رسل أو لو شأن خطير وعدد كثير * (وإلى الله ترجع الأمور) * لا إلى غيره عز وجل فيجازي سبحانه كلا منك ومنهم بما يليق، به، وفي الاقتصار على ذكر اختصاص المرجع به تعالى مع إبهام الجزاء ثوابا وعقابا من المبالغة في الوعد والوعيد ما لا يخفى. وقرىء * (ترجع) * بفتح التاء من الرجوع والأول ادخل في التهويل.
* (ياأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيواة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) *.
* (يا أيها الناس إن وعد الله) * المشار إليه بقوله سبحانه: * (وإلى الله ترجع الأمور) * من البعث والجزاء * (حق) * ثابت لا محالة من غير خلف * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) * بأن يذهلكم التمتع بمتاعها ويلهيكم التلهي بزخارفها عن تدارك ما ينفعكم يوم حلول الميعاد، والمراد نهيهم عن الاغترار بها وإن توجه النهي صورة إليها نظير قوله تعالى: * (لا يجرمنكم شقاقي) * وقولك لا أرينك هنا * (ولا يغرنكم بالله) * حيث أنه جل شأنه عفو كريم رؤوف رحيم * (الغرور) * أي المبالغ في الغرور، وهو على ما روى عن ابن عباس. والحسن. ومجاهد الشيطان فالتعريف للعهد، ويجوز التعميم أي لا يغرنكم كل من شأنه المبالغة في الغرور بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية قائلا إن الله يغفر الذنوب جميعا فإن ذلك وإن أمكن لكن تعاطي الذنوب بهذا التوقع تناول السم تعويلا على دفع الطبيعة، وتكرير فعل النهي للمبالغة فيه ولاختلاف الغرورين في الكيفية.
وقرأ أبو حيوة. وأبو السمال * (الغرور) * بالضم على أنه مصدر غره يغره وإن قل في المتعدي أو جمع غار كقعود وسجود مصدرين وجمعين، وعلى المصدرية الإسناد مجازي.
* (إن الشيط‍ان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصح‍ابالسعير) *.
* (إن الشيطان لكم عدو) * عداوة عامة قديمة لا تكاد تزول، ويشعر بذلك الجملة الاسمية و * (لكم) * وتقديمه للاهتمام * (فاتخذوه عدوا) * بمخالفتكم إياه في عقائدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم * (إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) * تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه في دعوة شيعته إلى إتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا ليس إلا توريطهم وإلقاءهم في العذاب المخلد من حيث لا يشعرون فاللام ليست للعاقبة. وزعم ابن عطية أنها لها.
* (الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات لهم مغفرة وأجر كبير) *.
* (الذين كفروا لهم عذاب شديد) * بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان واتباعهم لخطواته، ولعل تنكير * (عذاب) * لتعظيمه بحسب المدة فكأنه قيل: لهم عذاب دائم شديد * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة) * عظيمة * (وأجر كبير) * لا غاية لهما بسبب ما ذكر من الايمان والعمل الصالح، و * (الذين كفروا) * مبتدأ خبره * (لهم عذاب) * وكذا * (الذين آمنوا ولهم مغفرة) * الخ، وجوز بعضهم كون * (الذين كفروا) * في موضع خفض بدلا من * (أصحاب السعير) * أو صفة له أو في موضع نصب بدلا من * (حزبه) * أو صفة له أو في موضع رفع بدلا من ضمير * (ليكونوا) * والكل مفوت لجزالة التركيب كما لا يخفى على الأريب.
* (أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا فإن الله يضل من يشآء ويهدى من يشآء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) *.
* (أفمن زين له سوء عمله) * أي حسن له عمله السيء * (فرءاه) * فاعتقده بسبب التزيين * (حسنا) * فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، و * (من) * موصولة في موضع رفع على الابتداء والجملة بعدها صلتها والخبر محذوف والفاء للتفريع والهمزة للإنكار فإن كانت مقدمة من تأخير كما هو رأي سيبويه والجمهور في نظير ذلك فالمراد تفريع إنكار ما بعدها على ما قبلها من الحكمين السابقين أي إذا كانت عاقبة كل من الفريقين ما ذكر فليس الذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فاعتقده حسنا وانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الايمان والعمل الصالح وإن كانت في محلها الأصلي وكان العطف على مقدر تكون هي داخلة إليه كما ذهب إليه جمع فالمراد ما في حيزها ويكون التقدير أهما أي الذين كفروا والذين آمنوا وعملوا الصالحات متساويان فالذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فاعتقده
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»