تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٧٦
أمن من عذاب الدارين إن كان ذلك عن صدق وأمن في نفسه ودمه وحرمه في الدنيا إن كان ظاهرا ولا كذلك العمل بالجوارح، وأيضا أن القلب هو الأصل وما فيه لا يظهر إلا باللسان وما في اللسان لا يبين صدقه إلا بالفعل فالقول أقرب إلى القلب من الفعل فيكون أشرف منه، اه‍ وفي القلب منه شيء فتدبر.
* (والذين يمكرون السيئ‍ات) * أي المكرات السيآت أو أصناف المكرات السيآت على أن * (السيآت) * صفة لمحذوف وليس مفعولا به ليمكرون لأن مكر لازم، وجوز أن يكون مفعولا على تضمين يقصدون أو يكسبون وعلى الأول فيه مبالغة للوعيد الشديد على قصد المكر أو هو إشارة إلى عدم تأثير مكرهم، والموصول مبتدأ وجملة قوله تعالى: * (لهم عذاب شديد) * خبره أي لهم بسبب مكرهم عذاب شديد لا يقادر قدره ولا يعبأ بالنسبة إليه بما يمكرون. والآية على ما روي عن أبي العالية في الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة كما قال تعالى: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) * (الأنفال: 30) والمضارع لحكاية الحال الماضية، ووضع اسم الإشارة موضع ضميرهم في قوله سبحانه: * (ومكر أولئك) * للإيذان بكمال تميزهم بما هم عليه من الشر والفساد عن سائر المفسدين واشتهارهم بذلك، وما فيه من معنى البعد للتنبيه على ترامي أمرهم في الطغيان وبعد منزلتهم في العدوان أي ومكر أولئك المفسدين المشهورين * (هو يبور) * أي يفسد، وأصل البوار فرط الكساد أو الهلاك فاستعير هنا للفساد عدم التأثير لأن فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد أو لأن الكاسد يكسد في الغالب لفساده ولأن الهالك فاسد لا أثر له، و * (مكر) * مبتدأ خبره جملة * (هو يبور) * وتقديم الضمير للتقوى أو الاختصاص أي مكرهم هو يفسد خاصة لا مكرنا بهم، وأجاز الحوفي. وأبو البقاء كون الخبر جملة * (يبور) * و * (هو) * ضمير فصل. وتعقبه في " البحر " بأن ضمير الفصل لا يكون ما بعده فعلا ولم يذهب إلى ذلك أحد فيما علمنا إلا عبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح له فإنه أجاز في كان زيد هو يقوم أن يكون هو فصلا. ورد ذلك عليه.
وجوز أبو البقاء أيضا كون * (هو) * تأكيدا للمبتدأ، والظاهر ما قدمناه، وقد أبار الله تعالى أولئك الماكرين بعد إبارة مكرهم حيث أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التي اكتفوا في حقه عليه الصلاة والسلام بواحدة منهن وحقق عز وجل فيهم قوله سبحانه: * (ومكروا ومرك الله والله خير الماكرين) * وقوله تعالى: * (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) * (فاطر: 43) ووجه ارتباط الآية بما قبلها على ما ذكره شيخ الإسلام أنها بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيء وأهلهما بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح.
وقال في " الكشف ": كأنه لما حصر سبحانه العزة وخصها به تعالى يعطيها من يشاء وأرشد إلى نيل ما به ينال ذلك المطلوب ذكر على سبيل الاستطراد حال من أراد العزة من عند غيره عز وجل وأخذ في إهانة من أعزه الله تعالى فوق السماكين قدرا وما رجع إليهم من وبال ذلك كالاستشهاد لتلك الدعوى وهو خلاصة ما ذكره الطيبي في وجه الانتظام، وروي عن مجاهد. وسعيد بن جبير. وشهر بن حوشب أن الآية في أصحاب الرياء وهي متصلة بما عندها على ما روي عن شهر حيث قال: * (والذين يمكرون السيآت) * أي يراؤن * (ومكر أولئك هو يبور) * هم أصحاب الرياء عملهم لا يصعد، وقال الطيبي: إن الجملة على هذه الرواية عطف على جملة الشرط والجزاء أعني قوله تعالى: * (من كان يريد العزة) * الخ فيجب حينئذ مراعاة التطابق بين القرينتين والتقابل بين الفقرتين بحسب الإمكان بأن يقدر في كل منهما ما يحصل به التقابل بدلالة المذكور في الأولى على المتروك في الأخرى وبالعكس اه‍
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»