رسلي) * منعطفا على * (ما بلغوا) * من تتمة الاعتراض والضمير لأهل مكة يعني هؤلاء لم يبلغوا معشار ما آتينا أولئك المكذبين الأولين وفضلوهم في التكذيب لأن تكذيبهم لخاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام تكذيب لجميع الرسل عليهم السلام من وجهين وعليه لا يتوهم تكرار كما لا يخفى، وكون جملة * (ما بلغوا) * معترضة هو الظاهر وجعل * (وكذب الذين من قبلهم) * تمهيدا لئلا تكون تلك الجملة كذلك يدفعه * (فكيف كان نكير) * لأن معناه للمكذبين الأولين البتة فلا التئام دون القول بكونها معترضة، وإرجاع ضمير * (بلغوا) * إلى أهل مكة والضمير المنصوب في * (آتيناهم) * إلى * (الذين من قبلهم) * وبيان الموصول بما سمعت هو المروي عن ابن عباس وقتادة. وابن زيد، وقيل الضمير الأول للذين من قبلهم والضمير الثاني لأهل مكة أي وما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى، وقيل: الضميران للذين من قبلهم، أي كذبوا وما بلغوا في شكر النعمة ومقابلة المنة عشر ما آتيناهم من النعم والإحسان إليهم، واستظهر ذلك أبو حيان معللا له بتناسق الضمائر حيث جعل ضمير * (فذكبوا) * للذين من قبلهم فلا تغفل.
* (قل إنمآ أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد) *.
* (قل إنما أعظكم بواحدة) * أي ما أرشدكم وأنصح لكم إلا بخصلة واحدة وهي على ما قال قتادة ما دل عليه قوله تعالى: * (أن تقوموا لله) * على أنه في تأويل مصدر بدل منها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي قيامكم أو مفعول لفعل محذوف أي أعني قيامكم، وجوز الزمخشري كونه عطف بيان لواحدة. واعترض بأن * (أن تقوموا) * معرفة لتقديره بقيامكم وعطف البيان يشترط فيه عند البصريين أن يكون معرفة من معرفة وهو عند الكوفيين يتبع ما قبله في التعريف والتنكير والتحالف مما لم يذهب إليه ذاهب.
والظاهر أن الزمخشري ذاهب إلى جواز التخالف، وقد صرح ابن مالك في " التسهيل " بنسبة ذلك إليه وهو من مجتهدي علماء العربية، وجوز أن يكون قد عبر بعطف البيان وأراد البدل لتآخيها وهذا إمام الصناعة سيبويه يسمى التوكيد صفة وعطف البيان صفة، ثم إن كون المصدر المسبوك معرفة أو مؤولا بها دائما غير مسلم، والقيام مجاز عن الجد والاجتهاد، وقيل هو على حقيقته والمراد القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بذاك، وقد روى نفي إرادته عن ابن جريج أي إن تجدوا وتجتهدوا في الأمر بإخلاص لوجه الله تعالى * (مثنى وفرادى) * أي متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا فإن في الازدحام على الأغلب تهويش الخاطر والمنع من الفكر وتخليط الكلام وقلة الانصاف كما هو مشاهد في الدروس التي يجتمع فيها الجماعة فإنه لا يكاد يوقف فيها على تحقيق وفي تقديم مثنى إيذان بأنه أوثق وأقرب إلى الاطمئنان، وفي " البحر " قدم لأن طلب الحقائق من متعاضدين في النظر أجدى من فكرة واحدة فإذا انقدح الحق بين الإثنين فكر كل واحد منهما بعد ذلك فيزيد بصيرة وشاع الفتح بين الإثنين * (ثم تتفكروا) * في أمره صلى الله عليه وسلم وما جاء به لتعلموا حقيقته، والوقف عند أبي حاتم هنا، وقوله تعالى: * (ما بصاحبكم من جنة) * استئناف مسوق من جهته تعالى للتنبيه على طريقة النظر والتأمل بأن مثل هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة لا يتصدى لادعائه إلا مجنون لا يبالي بافتضاحه عند مطالبته بالبرهان وظهور عجزه أو مؤيد من عند الله تعالى مرشح للنبوة واثق بحجته وبرهانه وإذ قد علمتم أنه عليه الصلاة والسلام أرجح الناس عقلا وأصدقهم قولا وأذكاهم نفسا وأفضلهم علما وأحسنهم