نقلا عن الزجاج لإنكار ذهاب نفسه صلى الله عليه وسلم عليه عليهم حسرة والفاء في قوله سبحانه: * (فإن الله) * الخ تعليل لما يفهمه النظم الجليل من أنه لا جدوى للتحسر، وفي " الكشاف " أنه تعالى لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) * يعني أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين كمن لم يزين له فكأن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لا فقال تعالى: * (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) * (فاطر: 8) ويفهم من كلام الطيبي أن فاء * (فلا تذهب) * جزائية وفاء * (فإن الله) * للتعليل وأن الجملة مقدمة من تأخير فقد قال: إنه صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إيمان القوم وأن يسلك الضالين في زمرة المهتدي فقيل له عليه الصلاة والسلام على سبيل الإنكار لذلك: أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين كمن لم يزين له فلا بد أن يقر صلى الله عليه وسلم بالنفي ويقول لا فحينئذ يقال له فإاذ كان كذلك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فقدم وأخر انتهى وفيه نظر، وفي الآيات على ما يقتضيه ظاهر كلام الزمخشري لف ونشر وبذلك صرح الطيبي قال قال: الأحسن أن تجعل الآيات من الجمع والتقسيم والتفريق فقوله تعالى: * (يا أيها الناس إن وعد الله حق) * (فاطر: 5) جمع الفريقين معا في حكم نداء الناس وجمع مالهما من الثواب والعقاب في حكم الوعد وحذرهما معا عن الغرور بالدنيا والشيطان، وأما التقسيم فهو قوله تعالى: * (الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير) * (فاطر: 7) وأما التفريق فقوله تعالى: * (أفمن زين له سوء عمله) * لأنه فرق فيه وبين التفاوت بين الفريقين كما قال الزمخشري أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين كمن لم يزين له، وفرع على ذلك ظهور أن الفاء في * (أفمن) * للتعقيب والهمزة الداخلة بين المعطوف والمعطوف عليه لإنكار المساواة وتقرير البون العظيم بين الفريقين وأن المختار من أوجه ذكرها السكاكي في " المفتاح " تقدير كمن هداه الله تعالى فحذف لدلالة * (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) * ولهم في نظم الآيات الكريمة كلام طويل غير ما ذكرناه من أراده فليتبع كتب التفاسير والعربية، ولعل فيما ذكرناه مقنعا لمن أوتي ذهنا سليما وفهما مستقيما.
والحسرات جمع حسرة وهي الغم على ما فاته والندم عليه كأنه انحسر عنه ما حمله على ما ارتكبه أو انحسر قواه من فرط غم أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه، وانتصبت على أنها مفعول من أجله أي فلا تهلك نفسك للحسرات، والجمع مع أن الحسرة في الأصل مصدر صادق على القليل والكثير للدلالة على تضاعف اغتمامه عليه الصلاة والسلام على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر، و * (عليهم) * صلة * (تذهب) * كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا أو هو بيان للمتحسر عليه فيكون ظرفا مستقرا ومتعلقه مقدر كأنه قيل: على من تذهب؟ فقيل: عليهم، وجوز أن يتعلق بحسرات بناء على أنه يغتفر تقديم معمول المصدر عليه إذا كان ظرفا وهو الذي اختاره والزمخشري لا يجوز ذلك، وجوز أن يكون حسرات حالا من * (نفسك) * كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كما قال جرير: مشق الهواجر لحمهن مع السري * حتى ذهبن كلاكلا وصدورا يريد رجعن كلاكلا وصدورا أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها، وهو الذي ذهب إليه سيبويه في البيت، وقال المبرد: كلاكلا وصدورا تمييز محول عن الفاعل أي حتى ذهب كلاكلها وصدورها، ومن هذا قوله: فعلى أثرهم تساقط نفسي * حسرات وذكرهم لي سقام