سورة فاطر وتسمى سورة الملائكة، وهي مكية كما روي عن ابن عباس. وقتادة. وغيرهما؛ وفي " مجمع البيان " قال الحسن: مكية إلا آيتين * (إن الذين يتلون كتاب الله) * (فاطر: 29) الآية * (ثم أورثنا الكتاب) * (فاطر: 32) الآية، وآيها ست وأربعون في المدني الأخير والشامي وخمس وأربعون في الباقين، والمناسبة على ما في " البحر " أنه عز وجل لما ذكر في آخر السورة المتقدمة هلاك المشركين أعداء المؤمنين وإنزالهم منازل العذاب تعين على المؤمنين حمده تعالى وشكره كما في قوله تعالى: * (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) * (الأنعام: 45) وينضم إلى ذلك تواخي السورتين في الافتتاح بالحمد وتقاربهما في المقدار وغير ذلك.
* (الحمد لله فاطر السماوات والارض جاعل الملائكة رسلا أولىأجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى الخلق ما يشآء إن الله على كل شىء قدير) *.
* (الحمد لله فاطر السماوت والأرض) * أي موجدهما من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه، فالفطر الإبداع، وقال الراغب: هو إيجاده تعالى الشيء وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال.
وأخرج عبد بن حميد. والبيهقي في " شعب الإيمان. وغيرهما عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يعني ابتدأتها؛ وأصل الفطر الشق، وقال الراغب: الشق طولا ثم تجوز فيه عما تقدم وشاع فيه حتى صار حقيقة أيضا، ووجه المناسبة أن السماوات والأرض والمراد بهما العالم بأسره لكونهما ممكنين والأصل في الممكن العدم كما يشير إليه قوله تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) وقوله عليه الصلاة والسلام: " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " وصرح بذلك فلاسفة الإسلام قال رئيسهم: الممكن في نفسه ليس وهو عن علته أيس كان العدم كامن فيهما وبإيجادهما يشقان ويخرج العدم منهما.
وقيل في ذلك: كأنه تعالى شق العدم بإخراجهما منه، وقيل: لا مانع من حمله على أصله هنا ويكون إشارة إلى الأمطار والنبات فكأنه قيل: الحمد لله فاطر السموات بالأمطار وفاطر الأرض بالنبات وفيه نظر ستأتي الإشارة إليه قريبا، وقوله تعالى: * (جاعل الملئكة رسلا) * على القولين يحتمل أن يكون معناه جاعل الملائكة عليهم السلام وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالته سبحانه بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه عز وجل يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه كالأمطار والرياح وغيرهما وهم الملائكة الموكلون بأمور العالم، وهذا أنسب بالقول الثاني لكن يرد عليه أنه لا معنى لكون الأمطار شاقة للسماوات، وقال الإمام: إن الحمد يكون على النعم ونعمه تعالى عاجلة وآجلة، وهو في سورة سبأ إشارة إلى نعمة الإيجاد والحشر ودليله * (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) * (سبأ: 2) وقوله تعالى: * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) * (سبأ: 3) والحمد في هذه السورة إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ودليله جاعل الملائكة رسلا أي يجعلهم سبحانه رسلا يتلقون عباد الله تعالى كما قال سبحانه تتلقاهم الملائكة فيجوز أن يكون المعنى الحمد لله شاق السماوات والأرض يوم القيامة لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض وجاعل الملائكة رسلا في ذلك اليوم يتلقون عباده، وعليه فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى لأن قوله تعالى: * (كما فعل بأشياعهم) * (سبأ: 54) بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب، ولما ذكر سبحانه حالهم ذكر حال المؤمنين وبشرهم بإرسال الملائكة إليهم وأنه تعالى يفتح أبواب الرحمة لهم انتهى، وفيه من البعد ما فيه، و * (فاطر) * صفة لله وإضافته