تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٥٥
عملا وأجمعهم للكمالات البشرية وجب أن تصدقوه في دعواه فكيف وقد انضم إلى ذلك معجزات تخر لها صم الجبال، والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبكم للإيماء إلى أن حاله صلى الله عليه وسلم مشهور بينهم لأنه نشأ بين أظهرهم معروفا بما ذكرنا، وجوز أن يكون متعلقا بما قبله والوقف على * (جنة) * على أنه مفعول لفعل علم مقدر لدلالة التفكر عليه لكونه طريق العلم أي ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة أو معمول لتتفكروا على أن التفكر مجاز عن العلم أو معمول له بدون ارتكاب تجوز بناء على ما ذهب إليه ابن مالك في التسهيل من أن تفكر يعلق حملا على أفعال القلوب، وجوز أن يكون هناك تضمين أي ثم تتفكروا عالمين ما بصاحبكم من جنة، وقال ابن عطية: هو عند سيبويه جواب ما ينزل منزلة القسم لأن تفكر من الأفعال التي تعطي التمييز كتبين وتكون الفكرة على هذا في آيات الله تعالى والإيمان به اه‍ وهو كما ترى، و * (ما) * مطلقا نافية والباء بمعنى في ومن صلة، وقيل: ما للاستفهام الإنكاري ومن بيانية، وجوز أن تكون صلة أيضا وفيه تطويل المسافة وطيها أولى * (إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) * هو عذاب الآخرة فإنه صلى الله عليه وسلم مبعوث في نسم الساعة وجاء * (بعثت أنا والساعة كهاتين) * وضم عليه الصلاة والسلام الوسطى والسبابة على المشهور.
* (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو على كل شىء شهيد) *.
* (قل ما سألتكم من أجر) * أي مهما سألتكم من نفع على تبليغ الرسالة * (فهو لكم) * والمراد نفي السؤال رأسا كقولك لصاحبك إن أعطيتني شيئا فخذه وأنت تعلم أنه لم يعطك شيئا، فما شرطية مفعول * (سألتكم) * وهو المروى عن قتادة، وقيل هي موصولة والعائد محذوف ومن للبيان، ودخلت الفاء في الخبر لتضمنها معنى الشرط أي الذي سألتكموه من الأجر فهو لكم وثمرته تعود إليكم، وهو على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إشارة إلى المودة في القربى في قوله تعالى: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (الشروى: 23) وكون ذلك لهم على القول بأن المراد بالقربى قرباهم ظاهر، وأما على القول بأن المراد بها قرباه عليه الصلاة والسلام فلأن قرباه صلى الله عليه وسلم قرباهم أيضا أو هو إشارة إلى ذلك وإلى ما تضمنه قوله تعالى: * (ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) * (الفرقان: 57) وظاهر أن اتخاذ السبيل إليه تعالى منفعتهم الكبرى، وجوز كون ما نافية ومن صلة وقوله سبحانه: * (فهو لكم) * جواب شرط مقدر أي فإذا لم أسألكم فهو لكم، وهو خلاف الظاهر.
وقوله تعالى: * (إن أجري إلا على الله) * يؤيد إرادة نفي السؤال رأسا. وقرىء * (إن أجري) * بسكون الياء * (وهو على كل شيء شهيد) * أي مطلع فيعلم سبحانه صدقي وخلوص نيتي.
* (قل إن ربى يقذف بالحق عل‍ام الغيوب) *.
* (قل إن ربي يقذف بالحق) * قال السدي وقتادة: بالوحي، وفي رواية أخرى عن قتادة بالقرآن والمآل واحد؛ وأصل القذف الرمي بدفع شديد وهو هنا مجاز عن الإلقاء، والباء زائدة أي إن ربي يلقي الوحي وينزله على قلب من يجتبيه من عباده سبحانه، وقيل القذف مضمن معنى الرمي فالباء ليست زائدة، وجوز أن يراد بالحق مقابل الباطل والباء للملابسة والمقذوف محذوف، والمعنى إن ربي يلقى ما يلقى إلى أنبيائه عليهم السلام من الوحي بالحق لا بالباطل.
وعن ابن عباس إن المعنى يقذف الباطل بالحق أي يورده عليه حتى يبطله عز وجل ويزيله، والحق مقابل الباطل والباء مثلها في قولك قتلته بالضرب، وفي الكلام استعارة مصرحة تبعية والمستعار منه حسي والمستعار له عقلي، وجوز أن تكون الاستعارة مكنية، وقيل: المعنى يرمي بالحق إلى أفقطار الآفاق على أن ذلك
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»